رحلة إلي عروس البحر المتوسط.. ذهبنا إليها ويدور في خاطرنا صورة الاسكندرية الساحرة تلك الصورة التي ترتسم في ذهنك ما أن تطأ بقدميك أرضها التي يحسد القاهريون أهلها علي النعيم اللي عايشين فيه جنب البحر.. ورغم اننا ذهبنا قاصدين بعض المناطق العشوائية فيها واننا لم نتخيل كل هذا الكم من القبح خاصة واننا اعتقدنا انها لن تكون أسوأ حالا من مثيلتها في القاهرة فهي لا تشبه مثلا الحياة برفقة الأموات في المقابر وقد لا تصل إلي حد مآسي الدويقة وخير الله.. ولكن يبدو ان الرياح غالبا تأتي بما لا تشتهي السفن فقد كانت المفاجآت التي تنتظرنا تفوق كل التصورات. فعلي الرغم من اننا لم نجد مواصفات العروس التي انتظرنا رؤيتها إلا أن العماروة لم تكن كذلك أو بالأحري ما كنا نظنها العماروة فهي منطقة تبدو عادية مقارنة بحال العشوائيات فواجهات المساكن تدل علي ساكنيها كما أن الشوارع معتدلة ولا نري فيها المنحنيات المعتادة لنسأل مجموعة من الشباب الذين أكدوا لنا اننا في العماروة الحضر ولم نصل بعد إلي عزب العماروة التي نقصدها. كانوا يقفون إلي جوار بعض أنابيب البوتاجاز حيث يقومون بتوصيلها إلي المنازل مقابل3 جنيهات زيادة علي سعرها الذي كان في البداية20 جنيها قبل أن يعرف أحدهم اننا بنصور وصحفيين فانخفض سعرها سريعا إلي سبعة جنيهات فقط وبعد حديث قصير دار حول المنطقة أكدوا لنا عزب العماروة حالتها أصعب من هنا بكتير علي حد قول أحدهم الذي جاء معنا ليدلنا علي مكان العزب لهدف واحد مثلما أوضحه للمارة الذين يعرفونه جيدا وشعروا بأننا ضيوف علي المنطقة حيث كان يرد أنا رايح معاهم يمكن يشوفولنا حل في الصرف الصحي والعشش.. وأهم حاجة يسفلتوا المكان هناك عشان نعرف نمشي. وقبل مغادرة المنطقة إلي العزب تجولنا لدقائق قليلة فرأينا المشهد نفسه يتكرر في كل شارع جانبي ستات ورجالة شايلين الأنبوبة علي دماغهم فاستأذنت سيدة في الحديث معها عن أزمة أنابيب البوتاجاز لترد قائلة آه.. الأنابيب غالية أوي هنا دي بعشرين جنيه لأصحح لها المعلومة وفقا لما قاله لي موزع الأنابيب بأنها ب7 جنيهات بس فقالت: ده كداب انا لسه جايباها منه دلوقتي ليلتقط رجل آخر أطراف الحديث واصفا حال المنطقة انهم عايشين كويس.. ومفيش مشاكل غير الأنابيب. انتهت الجولة سريعا داخل العماروة الحضر والتي تبعد مسافة كبيرة عن عزب العماروة التي ذهبنا إليها بعد وصف دقيق من أحد سكانها عشان عمرك ما هتعرف توصل غير كده وما ان اقتربنا حتي شعرنا ب تعرجات الطريق ثم سرقت المشاهد عيوننا.. المشهد الأول تشم رائحته قبل رؤيته..إنه الصرف الصحي الذي يغطي المكان وبعد النزول من السيارة التي لم يعد بإمكانها الدخول لأكثر من ذلك لأن من يرغب في الاقتراب والدخول أكثر عليه ركوب قدميه. المشهد الثاني.. بعد النزول من السيارة لن تستطيع عينك حصر المشاهد مرة واحدة فعليك التدقيق لأنك أمام مكان واسع تشعر كأنك وسط صحراء ولكنه لايشبه الصحراء بلونها الرملي الأصفر بل تلك التي يعيش فيها أصحابها بعيدا عن الإسكندرية المعروفة فعلي حد قول بدرية احنا اسكندرانية برضه..بس مالناش دعوة بالبحر.. هذه السيدة هي بداية طريقك لدخول عزب العماروة استقبلتنا في بيتها المتواضع الذي تراه من بعيد يطل علي بركة مياه تظنها في باديء الأمر بحيرة بسبب الطيور والبط الذي يسبح فيها..ولكن انتظر واستنشق الرائحة فالحظ لم يحالفك هذه المرة فهي بركة صرف صحي يطل عليها منزل بدرية. لننتقل الي المشهد الثالث..داخل منزل بدرية الذي يشاركها فيه بعض الحيوانات وقد حرصت علي دخولي كل مكان فيه رغم صغره فبدأ بصالة صغيرة فيها كنبة وحصيرة ثم حجرة صغيرة بها سرير أصغر ينام عليه أولادها ومساحة لاتتعدي4 أمتار للحمام والمطبخ..لتبدأ حديثها بعد ذلك عن الحياة التي تعيشها منذ سنوات طويلة صوت ضعيف منكسر لايخلو من السعال الشديد بسبب رائحة الصرف الصحي رغم اعتيادها عليه علي حد قولها بدأت حديثها عن أيام الشتوية حيث تعاني من هطول الأمطار الشديدة لأن مطر اسكندرية أشد من أي حتة تانية في مصر. لتروي لي مأساة آخر يوم شتوية..كل اللي في البيت اتغرق والميه غطت علي العفش كله الأمر الذي اضطروا معه للانتقال لمكان آخر أشبه بجراج للمكوث فيه ليالي المطر حتي استطاعوا العودة مرة آخري لبيتهم بعد مساعدة ولاد الحلال بكام بطانية الي جانب تعلية أرضية المنزل في كل مرة تسقط فيها الأمطار للحد الذي تستطيع معه لمس سقف المنزل ب فتحاته بسهولة!! واستكملت حديثها عن أبنائها وتحديدا ابنتها الكبري التي تحاول تجهيزها خلال عامين لأن الاتفاق مع العريس كده لتدمع عينا بدرية قائلة لحد دلوقتي ماجبتلهاش فوطة..بس بقول ربنا يكرم. وتحدثت معي عن نظام الغفر حيث يسكن كل رب أسرة مع عائلته في أوضة كغفير لها ويدفع إيجارها لصاحبها الأصلي..لينضم إلينا بعد ذلك كبير المنطقة هكذا عرفنا علي نفسه حيث لخص لنا وضع العماروة في ثلاث مشكلات نور وميه وصرف صحي خاصة أن أي محاولات مع المسئولين لتوصيل المياه والكهرباء للمنطقة تنتهي بالفشل لأن الرد واحد ممنوع دخول الكهرباء هنا..انتوا في أرض عليها منازعات..خليكوا كده لحد ما نشوف لكم حل لتؤكد الحاجة بدرية حديثه نروح نتحايل عليهم وبرضه مفيش فايدة. وبعد انتهاء حديثنا مع بدرية والحاج أحمد رزق الشناوي الذي أصر علي إظهار بطاقته للتأكيد علي أنه مش خايف من حد وممكن يقول علي كل مشاكل المنطقة لأن ده حقهم حيث قرر بعد ذلك أن يستكمل معنا الرحلة للعزبة جوه ولكن بعد إصراره علي استضافتنا لشرب الشاي أو علي سبيل الراحة من السفر مؤكدين احنا فلاحين ولازم نعمل الواجب..انتوا في إسكندرية لتذكرني بدرية مرة أخري بأنني الآن علي أرض عروس البحر المتوسط والتي تبدو أنها أصبحت أرملة وسط هذا الكم من الهم والغلب والمرض..هذا الكم الذي يزداد كلما ازددنا تعمقا وتوغلا في عزب العماروة.