يبدو أن علي الأمريكيين أن يعتذروا مرة أخري وبشكل صريح لإيران لاسترداد طائرة التجسس التابعة لهم((RQ-170) التي أسقطتها الدفاعات الجوية لفيلق مراس الثورة الإسلامية بالقرب من منشأة فوردو النووية قرب مدينة قم المقدسة. بعد اختراقها الأجواء الإيرانية لمسافة250 كيلو مترا حتي وصلت إلي شمال مدينة طبس حيث تم إسقاطها. فالإيرانيون بعدما أثبتوا تفوقهم التكنولوجي وقدرتهم علي إسقاط الطائرة الأمريكية بحالتها دون أي أضرار وفي ضوء التصعيد الأورو أمريكي ضد طهران علي خلفية برنامجها النووي المثير للجدل وتهديدهم بتوجيه ضربة عسكرية له لا يبدو أنهم مستعدون لتسليم واشنطن طائرتها بدون اعتذار رسمي صريح للشعب الإيراني لانتهاك سيادة أجوائه والتجسس علي مواقعه النووية والعسكرية. ويقوي موقف إيران الدعم الدبلوماسي الهائل الذي تحظي به من كل من الصين وروسيا وتبنيهما سياسة رافضة لفرض عقوبات عليها والذي وصل إلي حد إعلان بكين استعدادها للدفاع عن إيران ولو أدي الأمر لاندلاع حرب عالمية ثالثة. ويعد اسقاط طائرة التجسس الأمريكية في إيران محطة فارقة ومهمة في الصراع التكنولوجي الذي اعتادت واشنطن استخدامه بحرية مطلقة في التجسس علي كل دول العالم استنادا إلي تفوقها المطلق فيه ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية باستخدام الأقمار الصناعية والتلسكوبات الهائلة والكاميرات بالغة الدقة وطائرات التجسس بأنواعها, حيث تضع الحادثة حدا فاصلا لما يمكن أن تضطلع به طائرات التجسس الأمريكية من مهام استطلاع وتصوير فوق أراض معادية وتشير بقوة إلي ضرورة التوقف ولو بشكل مؤقت عن استخدامها أو تطوير إمكانياتها بالصورة التي تعيد لها التفوق المطلق الذي كانت تحظي به. وتعيد واقعة إسقاط الطائرة الأمريكية في إيران إلي الأذهان وبقوة ذكري إسقاط الصين لطائرة تجسس أمريكية في أول أبريل1002 عندما انطلقت طائرتان مقاتلتان تابعتان للجيش الصيني لاعتراض طائرة التجسس الأمريكية من طراز((EP-3E) لإجبارها علي الهبوط الاضطراري في جزيرة هاينان بعد اصطدام إحدي المقاتلتين بمحرك الطائرة بعد فترة طويلة من المناورات من جانب طاقم الطائرة الأمريكية للإفلات من حصار المقاتلتين, وما تلاه من أزمة خطيرة بين واشنطنوبكين لإطلاق سراح طاقم الطائرة المكون من42 فردا ولاستعادة الطائرة مرة أخري, والتي انتهت بعد مفاوضات مضنية بين الطرفين بإطلاق سراح أفراد الطاقم بعد اعتذار الإدارة الأمريكية المتكرر من جانب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وعدد من كبار المسئولين في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية, واستعادة الطائرة بعد تفكيكها والاطلاع علي كل ما تحمله من أسرار تكنولوجية ومعلوماتية. ولعل الفارق بين الحادثتين من وقوع المواجهة الأولي بين قوتين عظميين بحجم الولاياتالمتحدة والصين, بكل ما يعنيه ذلك من تكافؤ نسبي بينهما لصالح واشنطن, فيما المواجهة الثانية بين القطب الأوحد( أمريكا) وقوة إقليمية كبري هي إيران لا مجال للحديث فيه عن تكافؤ من أي زاوية بينهما, إلا أن هناك تشابها كبيرا يتعلق بالمواجهة التكنولوجية بين الطرفين بعد التفوق الكبير الذي أظهرته إيران في الحرب الالكترونية بإسقاط الطائرة الأمريكية. كما لا يجب إغفال الدعم العسكري( في مجال التسليح وتطوير البرنامج النووي الإيراني) والدبلوماسي والتكنولوجي الذي تقدمه كل من موسكووبكينلطهران, وحرص الدولتين( روسيا والصين) علي توفير الحماية لها بشتي السبل, لإعادة تنظيم أوراق اللعبة الدولية وتوازنات القوي في المنطقة بعدما أقحمت الإدارة الأمريكية نفسها باحتلال كل من أفغانستان والعراق بالقوة العسكرية. ورغم عدم التوافق العقائدي بين إيران( كدولة إسلامية) وكل من روسيا والصين, إلا أن كلتا الدولتين لها مصالح كبري مع طهر ان ليس أقلها رغبتهما معا في الاطلاع علي طائرة التجسس الأمريكية التي أسقطتها إيران لمعرفة آخر ما توصلت إليه الترسانة الأمريكية من تطور تكنولوجي في مجال التجسس والذي لن تمانع فيه إيران خاصة إذا كانت التكنولوجيا التي أسقطت بها طهران الطائرة الأمريكية تحمل بصمات روسية, يثبت أن الصراع ليس بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية وحدهما ولكنه يتجاوز ذلك إلي روسيا والصين, وهو ما يؤكد أننا إزاء تغيير في موازين القوي الدولية وربما إعادة العالم إلي التعددية القطبية مرة أخري, ويؤكد أيضا بما لا يدع مجالا للشك ضرورة اعتذار واشنطنلطهران لاستعادة هيبتها ممثلة في طائرتها الأسيرة.