يمض الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء السابق وقتا طويلا من عمر حكومته الأولي حتي انفجر الحديث عن مسألة الصلاحيات المخولة له والتي من شأنها أن تمكنه من الإمساك بدفة الأمور وتوجيهها بما يحقق أهداف الثوار والثورة. لمعلي اعتبار أن الرجل الذي حمله ميدان التحرير الي رئاسة الوزراء, والذي لا يشكك أحد في نزاهته ووطنيته وإخلاصه, لم يعوقه في العمل سوي المجلس الأعلي للقوات المسلحة عبر تجريده من جميع الصلاحيات, وشاعت مقولة ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة يحكم من وراء ستار ولا يريد لمدني كائنا من كان أن يشاركه في الحكم. وخلص معظم المراقبين والمتحدثين باسم الثورة إلي أن القضية ليست في شخص رئيس الوزراء ولكنها في الصلاحيات الممنوحة له ومع أحداث ميدان التحرير في النصف الثاني من الشهر الماضي طالب الميدان المجلس العسكري بضرورة قبول استقالة شرف وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تمنح جميع الصلاحيات ثم تطور الأمر الي ضرورة تشكيل مجلس رئاسي مدني جريا وراء نزع الصلاحيات التي يمسك بها المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومع بدء انتخابات مجلس الشعب في نهاية الشهر الماضي وادعاء الإخوان المسلمين أن المجلس سيشكل الحكومة المقبلة عقب أول اجتماع له ونفي المجلس العسكري, لذلك بدأ حديث الصلاحيات يمتد أيضا الي مجلس الشعب وخرج البعض ليدعي أن المجلس سيشكل الحكومة المقبلة عقب أول اجتماع له ونفي المجلس العسكري لذلك بدأ حديث الصلاحيات يمتد أيضا الي مجلس الشعب وخرج البعض ليدعي أن المجلس المقبل سيكون مجلسا بلا صلاحيات!. الحديث عن الصلاحيات بهذا الشكل وتلك الكثافة كاد يتحول الي شعار الشعب يريد الصلاحيات, بديلا عن شعار الشعب يريد إسقاط النظام في المرحلة الحالية فضرورة منح الحكومة ومجلس الشعب صلاحيات أمر لا يختلف عليه أحد, ولكن المشكلة هي في تحديد المقصود بكلمة الصلاحيات تلك, وما الصلاحيات التي يجب أن تتمتع بها الحكومة في ظل النظام السياسي المصري القائم حاليا, والصلاحيات التي تخول لمجلس الشعب في ظل نفس النظام ومما لا شك فيه فإن المطالبة بمنح رئيس مجلس الوزراء جميع الصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية هي محاولة للالتفاف علي رفض فكرة تشكيل مجلس رئاسي مدني كما أن المطالبة بمنح رئيس الوزراء صلاحيات مطلقة هي في الحقيقة دعوة لأن يكون رئيس الوزراء المعين باعتباره مدنيا رئيسا للجمهورية دونما انتخاب ومن هنا يمكن تفهم الاعتراض الشديد من قبل ميدان التحرير علي الدكتور كمال الجنزوري, فالميدان لا يريد رئيسا للوزراء بكل الصلاحيات التي أعلن عنها لا يكون من اختيار ميدان التحرير وربما يتصور بعضهم أن نجاح الدكتور الجنزوري سيعني بشكل أو بآخر نجاحا للمجلس العسكري الذي عينه وليس لميدان التحرير الذي اعترض عليه بينما يستعصي علي المواطنين في الشارع فهم رفض رئيس الوزراء أيا كان هو إذا كان هو الشخص الذي سيخول كل الصلاحيات التي تمت المطالبة بها باعتبارها السبيل الوحيد لمشاركة العسكريين في الحكم, كما أن تلك الصلاحيات هي التي ستجعل رئيس الوزراء مسئولا مسئولية كاملة أمام الجماهير في حال لم يحقق أي انجازات فالدكتور الجنزوري لن يستطيع كما فعل سلفه أن يلقي بمسئولية تواضع أداء حكومته أو فشلها في التعامل مع أهم الملفات وهي الأمن والاقتصاد علي دور المجلس العسكري وعدم تفويضه لاتخاذ ما يراه. ومع أن المجلس العسكري منح صلاحيات رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء عدا ما يتعلق منها بالملفات الخارجية والأمن القومي والقضاء والتشريع فإن البعض رأي في استثناء تلك الصلاحيات عرقلة لعمل رئيس الوزراء وكأن المطلوب أن يمسك رئيس الوزراء بالقضاء والتشريع مثلا الذي سيتولاه مجلس الشعب الذي سينعقد نهاية الشهر المقبل, وفي تقديري فإن رئيس الوزراء حصل علي الصلاحيات التي من شأنها التعامل مع كل الملفات الداخلية التي تهم المواطن وهي المهمة الأساسية لمجلس الوزراء علي الأقل حاليا حتي يتم الاتفاق علي نظام سياسي آخر يحدده الدستور. أما حديث الصلاحيات بشأن مجلس الشعب فهو أمر مثير للدهشة والشفقة وربما الريبة فمجلس الشعب طبقا للنظام الحالي مسئوليته الأساسية هي التشريع والتعبير عن مطالب المواطنين, أما قضية تشكيل الحكومة فلا يتولاها المجلس إلا في النظام البرلماني أو في ظل دستور لنظام مختلط ينص علي ذلك والقول إن تشكيل الحكومة في مصر كان يتم من بين أعضاء الوطني صاحب الأغلبية في مجلس الشعب, فإن الحقيقة أن الرئيس هو من كان يشكل الحكومة ويحدد لها مهامها وليس مجلس الشعب, وكان علي الحكومة أن تلقي بياناتها أمام المجلس وحيث أن الأغلبية كانت للحزب الوطني فلم يتم سحب الثقة من الحكومة الآن, وهو الأمر الذي أتصور أنه لن يتغير علي الأقل بحكم الأمر الواقع, إذ إنه من غير المتصور أن تسير الحكومة عكس ما يراه مجلس الشعب حتي وإن كانت الحكومة لن تقف أمام المجلس فبإمكانه الاعتراض علي ما تقوم به باعتباره ممثلا للشعب ولن يكون من الحكمة معارضة توجهات مجلس الشعب وإلا فسوف يكون أعضاؤه في مقدمة الداعين لنقل الأمر الي الميادين مرة أخري, وهو أمر أتصور أنه ليس من مصلحة أي طرف في ظل الظروف التي تمر بها مصر حاليا.