بين رائحة يناير والشباب الثائر, بين حق الشهداء و حقن الدماء.. بين مقاعد البرلمان و مطالب الميدان.. نقضي ليلة بدأت ممطرة ريحها باردة لكنها لم تخل بعد من نسائم الغاز المسيل وموسيقي المطاطي.. سكون يسبق عاصفة.. وعاصفة قوية أصبحت ناعمة تمر بالتحرير الذي تحول الي ميدان للحرب الباردة بين أيصوات تهتف بضرورة حقن الدماء وعيونها ترقب اثنين البرلمان وأصوات تهتف بتار الشهداء وعيونها ترقب مليونية الجمعة. التحرير في ليلة وقف إطلاق الغاز, ومن خيمة الاهرام المسائي بالميدان.. عبر السطور التالية لم تبد حركة الميدان طبيعية.. الكل يترقب ما ستصل اليه دعوات الهدنة وذاكرته النشطة تعيده الي الهدنات الهشة التي ما لبث أن نقضها صوت المطاطي, خط النيران في محمد محمود يتحول الي مائدة تفاوض ارتفعت فيه اصوات السلمية لدقائق ونكست فيه فوهات البنادق لثوان وإنخرط الجميع في السكوت والمشاهدة والترقب والاقتراب.. علي استحياء. الميدان علي حاله.. لافتات موحدة بالمطالب, لا منصات أو تيار يفرض وجوده أمام عدسة الكاميرات والأغلبية الغلبانة تمنع ركوب الموجة, ولكن صيحات الهدنة الضعيفة علي خط المطاطي بمصطفي محمود بدأت تقوي بزوار جدد علي الميدان.. إنهم السلفيون والإخوان يرفعون شعار حقن الدماء بالفصحي.. ويفسرونه الانتخابات بالعامية بل ويفسره الميدان إن أخفاه الإسلاميون. تتيقظ الهتافات النائمة في مملكة التحرير الشعبية, وتخرج لملاقاة الدروع البشرية وهي تعي جيداي أنها الأحلام الانتخابية فقط هي دافع تلك الوجوه التي لم تتلق المطاطي وتستنشق المسيل.. تستيقظ المساكن الشعبية القاطنة في الكعكة الحجرية وتهتف لا اخوان ولا احزاب كما قال زياد محمد_ خريج كلية التجارة_ والذي أكد لنا_خلال مسيرة حشدها المعتصمون الي بوابات شارع محمد محمود_أن الاخوان والسلفيين يحاول التستر وراء رومانسية حقن الدماءوهم يعلمون أن العين بالعين والسن بالسن. ويستكمل الهتاف هشام عبد الله_ صيدلي_ قائلا لا انتخابات ولا كراسي الانقاذ مطلب أساسي وننتظره إلي أن يتسلم أخرون الهتاف ليقول من لم يصب في محمد محمود ومن لم يستشهد ولده بالمطاطي لا يستحق أن يمثلنا في البرلمان ولا يملك شرعية الدخول الي ميدان الشرعية المصرية, ومن يخشي دفع ضريبة الحرية والديمقراطية عليه أن يجلس علي كنبة منزلهم لا علي كرسي البرلمان. ونصل بالمسيرة الي مدخل شارع محمد محمود لتبدو الحرب أكثر برودة هناك.. الطرفان يتقاتلان بالهتاف ودعاة الدولة المدينة يقذفون مطالبهم لترتطم بالدرع البشري الذي يرد عليهم إنما نريد حقن الدماء وحفظ أبنائنا من هؤلاء. وتستمر المعركة حتي صباح اليوم التالي.. المعركة الهتافية, وتتوقف المعركة المطاطية بشارع محمد محمود قليلا إلي أن يفاجئنا الصباح بجرارات وحاملات خرسانة تمر الي شارع محمد محمود لتضع خلف الاسلاك الشائكة والدرع البشري درعا جديدا من الخرسانة بارتفاع6 أمتار تقريبا. علي الحياد نعتلي منصة الجدار.. وعلي الحياد نصف المشهد.. إنخرط البعض في صناعة أكثر من درع بشري حول الشوارع المؤدية الي محمد محمود والتي كان المرور منها بنفس صعوبة اختراق الجدار الخرساني العازل. وبعد مغامرة المرور من الشوراع الجانبية استطعنا رصد المشهد من نقطة الحياد, ضباط الجيش يقفون ببذاتهم العسكرية ونجومهم اللامعة ويؤازرهم شيوخ من الأزهر وبعض الوجوه الأخري بينما يقف حوالي الفي متظاهر ليؤكدوا رفض الجدار و_علي حد قولهم_ مزاعم حقن الدماء, نلتقط الكادرات لتلك الأياديي اللاهثة التي تمر بين السلك الشائك لتطلب إجابة واضحة عن حق الشهداء ومصير الدماء التي سالت علي اسفلت هذا الشارع لتأتيها الإجابة ها نحن نحاول منع تكرر هذا المشهد فيهتف المتظاهرون مصر دولة مدنية.. لا دينية لا عسكرية والاخوان والسلفية.. باعو الثورة والقضية وينقل لنا رأي المتظاهرين أمام الجدار أحمد منصور- طالب بكلية الحقوق- والذي يؤكد أن عزل ميدان التحرير يعني إخماد الثورة الثانية التي خرجت بتلقائية ودون قيادة سياسية تعبث بأهداف الثورة لمصلحة سياسية أو انتخابية. حتي عبد اللهالطفل الصغير الذي يبدو من ملابسه ووجهه الملطخ ببقايا مضادات الغاز أنه لم يفارق الميدان منذ اندلاع الاحداث, استطاع هذا الطفل أن يجد لنفسه رأيا وتحليلا قد يبدو طفوليا في التعبير ولكنه قوي المعني حين قال لي.. يعني إيه يبنوا جدار بيننا وبين اللي رموا اخواتنا في الزبالة؟, حق اخواتنا مش هايروح هدر واللي هايدخل الانتخابات يبقي خاين للميدان. وقبل العودة من الساتر الخرساني التقطنا أحد شباب الالتراس لنسأل عن تأمين الميدان بعد العزل بين الشرطة والميدان ليقول: غدا ستكون أعظم مليونيات الثورة, ونحن علي استعداد للجمل والفيل والديناصور و أبناء العباسية ومصطفي محمود لهم هدية من الميدان إن حاولوا افساد الثورة استمر الشد والجذب, كبديل للكر والفر.. واستمر هذا المكان أرضا لموقعة بين فريقين من المصريين.. فريقين أحدهم يقول لم نطلق رصاصة واحدة و لن نصمت أمام محاولات اقتحام الوزارةو الانتخابات هي الحل. والآخر يقول الميدان هو الشرعية وإحنا الخط الأحمر و نحن لا نزرع المولوتوف.