انيس منصور هو أكثر من وصف الحياة الثقافية في مصر في مطلع الأربعينيات عبر كتابه الرائع في صالون العقاد, حيث وصف المعارك واللقاءت والنقاشات التي دارت وقتها بين عباقرة الثقافية المصرية من أمثال طه حسين, العقاد, توفيق الحكيم, وسلامه موسي فقدت مصر واحدا من أكثر مفكريها وكتابها شهرة في العالم, والذي تربع منذ سنوات طويلة علي عرش الكتابة السلسة, فهو صاحب أكبر مكتبة من المؤلفات من كتب وروايات وتراجم ومقالات طافت العالم مثلما طاف صاحبها, شكلت كتبه بالقطع الكثير في وجدان أجيال من المصريين وفتحت لهم نافذة كبيرة علي شوارع ومدن وبحور ومحيطات وفلاسفة وشعراء وقصص غرام وانتقام, وكانت كتاباته بمثابة أدب الموسوعات والفكر والفلسفة والمتعة معا, فأنيس منصور هو أول من حاول ان يبسط الفلسفة ويفلسف الحياة. وأن يكتب عن الأشياء والأماكن التي لم يكتب عنها قبله أحد, فقام بجولات وحوارات بين الكتب والقارات سجلها في مئات الكتب التي تحمل فكر وطريقة حياة ومشاعر الآخر, لا يعرف الكثيرون ان أنيس منصور حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة في كتاب القرية وانه كان الأول في الثانوية العامة علي مستوي الجمهورية, وأنه عمل مدرسا للفلسفة ثم تفرغ للكتابة والصحافة فتنقل في عالمها بين مؤسسة أخبار اليوم, ومؤسسة الأهرام ودار المعارف, وأصدر مجلة الكواكب وأسس مجلة أكتوبر. ربما مكنت إجادة أديبنا لعدة لغات من امتلاك هذا الثقافة الواسعة ومن الكتابة في موضوعات مختلفة, فقد كتب عن كل شيء وفي كل شيء, فهو أكثر كاتب تألق في نشر كتب عن مختلف الحضارات وعن كتاب الموتي وعن أسطورة لعنة الفراعنة التي رسخت في رؤوس عاشقي الحضارة المصرية, وعن الارواح والأشباح والاطباق الطائرة وعن العظماء, وكتب عن الضحك, وكتب عن الموت, وألف كتبا من أمتع ما كتب في أدب الرحلات أشهرها حول العالم في200 يوم, وأعجب الرحلات في التاريخ, بلاد الله لخلق الله, غريب في بلاد غريبة, وغيرها. انيس منصور هو أكثر من وصف الحياة الثقافية في مصر في مطلع الأربعينيات عبر كتابه الرائع في صالون العقاد, حيث وصف المعارك واللقاءت والنقاشات التي دارت وقتها بين عباقرة الثقافية المصرية من أمثال طه حسين, العقاد, توفيق الحكيم, وسلامه موسي, عرفنا منه تاريخ العقاد وآرءه في الثقافة والسياسة والفن, وعرفنا معه تاريخ مواهب شابة في كال مناحي الحياة والفن والأدب. حتي السياسة كتب فيها انيس منصور, فتحدث عن عبدالناصر في كتابه عبدالناصر المفتري عليه والمفتري علينا, وكتب عن الرئيس السادات كتاب من أوراق السادات كشف فيه عن نشأة السادات, وإعجابه بالزعيم التركي أتاتورك, وأسرار الاتصالات الأولي مع الاتحاد السوفيتي في بداية عهده. وانتهت دبلوماسية أنيس عندما فتح قلبه في أبريل الماضي لأحد الصحف وتكلم عن رؤساء مصر الثلاثة, فقال إن عبد الناصر كان زعيما حقيقيا لكن ظروفه كانت قاسية, وأن هزيمة1967 كانت هزيمة جيش ولم تكن هزيمة قائد. ومدح السادات, الذي عرفه جيدا, وقال إنه سياسي من الدرجة الأولي وعسكري أيضا, لكنه لم يعط الفرصة ليكمل نجاحه بعد نصر أكتوبر1973 ولم تكتمل فرحته, وأن السادات كان يعتزم اعتزال الحكم ويقضي بقية عمره كمواطن عادي. وكان قاسيا علي مبارك, فيقول إنه لم يكن زعيما وورث ثروة مصر بدون أي مجهود, ولم يقل شيئا ولم يفعل شيئا فقط رفع العلم علي طابا, وأن مافيش حاجة اسمها الضربة الجوية, لكنه بعد الثورة قال إن مبارك بعد الثورة اتبهدل وانكسرت نفسه ومسحنا بكرامته وكبريائه الأرض. أنيس منصور كان أيضا فيلسوفا له آراء وحكم يرددها الناس خاصة في المرأة, منها قوله: يقول علماء التطور إن الطبيعة احتاجت إلي ملايين السنين لتطوير القرد إلي رجل, ومع ذلك باستطاعة المرأة أن تعيد الرجل إلي أصله في لحظة واحدة, وأيضا الخداع والكذب والغرور ليس عملا واعيا عند المرأة, إنها الغريزة. لقد انطفأت شمعة كاتبنا الكبير هذا الأسبوع بعدما أتحف العالم لحوالي60 سنة بمقالات وكتب لا مثيل لها, آخرها كتاب بعنوان في انتظار المعجزة, ينتقد فيه انتظار وحيرة الشعوب خاصة في الشرق, لمعجزة تحل مشاكلهم, والبحث عن المخلص, ويحاول تكريس فكرة أن الحل لابد أن ينبع من الداخل وأن يسبقه فكر وإيمان وجهد لتحقيقه. الغريب أن هذا الكتاب الذي يمهد للثورة كان من المتوقع أن يطلق في معرض الكتاب يوم29 يناير الماضي, والذي ألغته الثورة.. تحية لأنيس منصور وروحه ودعاء من القلب أن يتولاه العلي القدير بالرحمة.