المسئولية كبيرة والأمانة التي وضعتها أرض سيناء حجرها قبل بشرها ثقيلة بل أنها تكاد تثقل حواسي جميعها وليس كاهلي فقط. وماذا بعد ؟ سؤال يطاردني ويحاصرني ويجعل النوم يطير من جفوني, بل ويحول ساعاته القليلةإلي كوابيس من تلك التي تحمل لقب العيار الثقيل!! وماذا بعد الآهات والصرخات والاستغاثات والأنات المكلومة والمظلومة والمهمشة التي سمعتها وقمت برصدها وحاولت نقلها عبر صفحات جريدة الأهرام المسائي من خلال مجموعة من الملفات الصحفية المصورة التي قمت بإعدادها وزميلي المصور هيثم حسن من تلك الأرض المحرومة, هكذا لقيناها في نهاية الرحلة الي أرض سيناء. وماذا بعد تلك الرحلة الطويلة إلي شمال وجنوب سيناء وهل هناك جدوي من الكتابة عن مصائر ومصائب السيناويين ؟ هل هناك أذن سمعت وعين رأت ويد اهتمت بل وحاولت بجدية أن تقوم بالتغيير والحلول ؟ المتأمل لتاريخ تلك البقعة العبقرية من أرض مصر وحواديت المعاناة والآلام التي عاناها بشرها وحجرها لا محالة سيضبط نفسه متلبسا بالقول إن شيئا لم يتغير علي الرغم من الرهان الشديد والقول علي ثورة25 يناير, ولكن لا أعرف لماذا لا يزال لدي أمل بل آمال كثيرة لتحقيق الأحلام والطموحات المشروعة للأهل في سيناء, ورغم أن الصورة مازالت قاتمة بل سوداء وترقي إلي أن تكون حالكة السواد وهذا ما رصدته من خلال رحلتي التي قمت بها من العريش وحتي سانت كاترين, فإن هناك أملا مازال يلمع في العيون قبل أن تنبض به قلوب السيناويين, وقبل أن أنهي سطور رحلتنا إلي أرضنا المحرومة أري أنه من الواجب علي أن أقوم بالتركيز علي العديد من النقاط المهمة التي لو تم النظر إليها بعين الاهتمام ستكون الحلول من أبسط ما يمكن ولتكن البداية من عند النظرة الدونية التي يحاط بها أهل سيناء وهي نظرة لا تخلو أيضا من الريبة والتوجس ودائما ما تشير إليهم بتهم مثل التخوين والعمالة بل ويمتد الأمر إلي تلقيبهم بلقب تقشعر له الأبدان وهو يهود سيناء والسؤال يتلخص في كلمة واحدة ألا وهي لماذا ؟ هل لأن حظهم العثر جاء حاملا وجودهم علي الحدود مع عدونا الأوحد إسرائيل؟ هل لأن نكسة1967 شهدت احتلالهم من قبل اليهود فكانوا هم أكثر الناس إحساسا بمعني كلمة احتلال ؟ هل نسينا أم تناسينا تاريخهم النضالي وصفحاتهم المشرفة في تاريخ مصر منذ67 وحتي1973 وطوينا دماء شهدائهم ومجاهديهم الذين قدموا حياتهم من أجلنا جميعا؟ ولماذا نعاملهم معاملة المواطنين من الدرجة الثالثة أو حتي الخامسة.. عليهم كل الواجبات بصفتهم أسود الحدود وليس لهم أي حقوق.. يعيشون محرومين من كل الحقوق الاساسية والضرورية. ببساطة.. هم موتي علي قيد الحياة, لا ماء ولا كهرباء ولا مرافق ولا مواصلات ولا مدارس ولا مستشفيات ولا عمل وفي النهاية نتهمهم بأنهم خونة وعملاء ويتاجرون بالسلاح والمخدرات بل ونقول إنهم بدو, أنا نحن فمصريون يعني إيه مش فاهمة والله ؟ ألم تقم الثورة ألم نتخلص من النظام السابق بأذنابه من أمن الدولة الذين كرسوا لهذه النظرة وعذبوا السيناويين وألقوا بهم في السجون وهتكوا أعراضهم وانتهكوا حرمات بيوتهم ولفقوا لهم تهما بتفجيرات دهب وطابا وشرم الشيخ في حين أن أمن الدولة الحقير هو الذي ارتكب هذه الجرائم ؟ ألم تجئ اللحظة الحاسمة التي تشهد المساواة في العدل والظلم لأبناء هذا الشعب؟ أما السؤال الثاني والمحير والذي لم يقل لنا أحد إجابته إلي الآن فهو... لماذا لم تعمر سيناء شمالها وجنوبها حتي الآن؟ لماذا تترك كل هذا المساحات من الأراضي للون الأصفر لينهشها ويهتك عرضها مثل ذئب مسعور ؟ لمصلحة من ؟ أجيب أنا, لمصلحة اسرائيل ولإرضائها ولكن هذا أيضا كان مبررا ومنطقيا في عهد النظام السابق الذي يجب أن تلصق به هو تهمة التخوين والعمالة وليس أبناء سيناء, إذا كان الوضع قد تغير فلماذا لا يتم الإلتفات وبسرعة لتعمير تلك المنطقة الغنية أراضيها بالخصوبة واستغلال كنوزها الدفينة من المعادن والثروات الطبيعية ؟ بينما يحاصرنا السؤال الثالث حول تصدير الغاز لإسرائيل والذي لم تنص عليه اتفاقية كامب ديفيد التي كبلت أيدينا وأيدي جيشنا العظيم, لماذا الإصرار علي تصدير الغاز لعدونا اللدود رغم تفجيره لأكثر من مرة ؟ لماذا لا نفهم ولا نقدر ولا نحترم رفض شعبنا الجليل للتطبيع بكل أشكاله وألوانه مع العدو؟ وإذا كانت صورة25 يناير قد وقعت وانسحبت الشرطة انسحابها الذي عرفناه جميعا لنترك حدودنا مفتوحة علي البحري ليحميها أسود سيناء الوافقون بكل انواع السلاح تربصا لأي قدم صهيونية تحاول أن تخطو حدود مصر.. ألم يحن الوقت الآن للنظر في معاهدة كامب ديفيد التي جاءت نصوصها مجحفة وظالمة بل ومهينة أيضا للجانب المصري المنتصر في حرب1973 ؟ وإلي متي سيظل ناس الحدود الذين يعيشون في سيناء عرضة لرصاص اسرائيلي غادر من وقت لآخر مش كفاية بقا ؟ لقد آن الأوان أن نستعيد نحن المصريين بعد ثورة25 يناير كرامتنا وعزتنا التي أهدرها نظام مبارك وأعوانه, لن ننسي دماء شهدائنا في1967 وأسرانا الذين قتلوا رميا بالرصاص في عز الظهر ولن تجف أرض سيناء العبقرية من دماء شهداء1973 ولن يذهب دم الجندي المصري سليمان خاطر هباء عندما زعموا أنه انتحر وهو ذلك الشاب الذي كان فخورا بما فعله عندما ضرب الجنود الاسرائيليين الذين حاولوا اقتحام الحدود المصرية في أثناء نوبة حراسته وبعد أن ألقي به في السجن فوجئ الجميع بأنه قد انتحر! هكذا زعم النظام السابق ولكن الأقاويل مازالت تتحدث عن أن الموساد هو الذي اغتاله انتقاما منه. كل هذا التاريخ يسمح لهذا الشعب بأن يصنع قراره ويشارك فيه ويقولها صراحة نرفض تصدير الغاز لهذا العدو. ما نود أن نختم به أن سيناء الآن في حالة انتظار.. تنتظر الحب والتقدير والإشادة والفخر ليس بالأغاني في كل عيد لتحريرها ولكن بالفعل الجاد والقول. سيناء الآن تنتظر أن نعوضها ونعوض أهلها عن الحرمان والذل والتجاهل والإهمال والنسيان. سيناء الآن تنتظر ونحن لا نملك معها سوي الانتظار. أخيرا قارئنا.. حاولنا أن ننقل لك صورة موضوعية من أرض الواقع لعلك تقترب وتشعر وترصد وتفهم معنا أشياء كثيرة. إن نجحنا فهذا كل ما نطمح إليه, أما إذا فشلنا فعذرا ولكن يبقي لنا شرف المحاولة.