هام التليفزيون المصري بأنه فاقد للمصداقية وللرؤية والبوصلة الإعلامية بات اتهاما فاقدا للصلاحية, فعمره الافتراضي قد انتهي برحيل النظام السابق, فعلي الاقل لم يعد هناك مبرر لأن يفقد التليفزيون مصداقيته. اتولم يعد هناك من يمسك برقبته موجها إياه في اتجاة معين, وأصبحت رؤيته السياسية بيد القائمين عليه, ولكن بقيت المشكلة بالطبع في الناحية المهنية اذ لم يكن بمقدور الثورة أن تعالج ضعف الأداء المهني لدي قطاع كبير من أبناء التليفزيون بل أن الثورة ساهمت في فرض الكثير من هؤلاء ذوي المستوي المهني المتردي علي شاشة التليفزيون وعلي كل من يسعي لتطوير أداء التليفزيون بدعوي المساواة التي تكاد تحرق المهنيين والموهوبين ليس في التليفزيون فقط بل في كل المؤسسات العامة. واذا كان النظام السابق متهما بأنه تعمد مع سبق الاصرار والترصد إفقاد التليفزيون المصري مصداقيته وبوصلة العمل التي يجب ألا تغيب عن أي جهاز اعلامي يفترض فيه أنه اعلام الدولة وليس اعلام النظام فقط, فإن اصرار الكثيرين الآن علي توجيه نفس الاتهام للتليفزيون هو في الواقع الذي يفقد التليفزيون مصداقيته ويجعل القائمين علي صياغة الرسالة الاعلامية به مرتعشي اليد ومن الثابت أن مرتعشي اليد لايمكن أن يصيغوا أي سياسة فما بالنا بسياسة اعلامية في فترة حرجة مثل التي تمر بها مصر حاليا, تغطية التليفزيون المصري لأحداث الاحد الدامي(9 اكتوبر) أمام ماسبيرو تمثل حالة تطبيقية نموذجة للتربص بالتليفزيون الرسمي وإطلاق نيران الاتهامات سابقة التجهيز عليه, فهناك من انتقد التليفزيون لأنه بث الحدث علي الهواء مباشرة ورأوا أن ذلك أشعل المشاعر المعادية للأقباط, وكأن المطلوب الآن من التليفزيون أن يعمل سياسيا وليس مهنيا فيتغاضي عن حدث مشتعل يجري أمام بوابته, وهو نفس التليفزيون الذي سبق لهم أن اتهموه بأنه تجاهل مايحدث في التحرير إبان الثورة ونقل لهم جوا رومانسيا من أعلي كوبري قصر النيل. تعلم التليفزيون الدرس فنقل الحدث مباشرة الا أن الاتهام ظل علي حاله.. أخطأت إحدي مذيعات التليفزيون في استخدام بعض العبارات تعليقا منها علي مايحدث أمامها وما يأتيها من اخبار رغم أنها كانت تعلق آنذاك علي المتوافر لديها ولدي وكالات الأنباء من أخبار من مقتل أحد ضباط الجيش وجرح آخرين منه, فاستل الكثيرون سيوفهم منددين بالسياسة الاعلامية للتليفزيون علي اعتبار أنها لم تتغير منذ النظام السابق, وحمل المنتقدون التليفزيون مسئولية تأليب الجماهير علي الاقباط متصورين أن ثمة أوامر عليا صدرت للمذيعين ليعبئوا الجماهير ضد الأقباط حماية للجيش وكأن الجيش هو الذي أصبح في حاجة لحماية من المسلمين في مواجهة مظاهرة قبطية لاحظ هنا أن الاتهام يفترض مقدما أن كل المصريين أو غالبيتهم يتابعون التليفزيون المصري بل ويتأثرون بما قالته مذيعة أو قارئة نشرة يعرفها بالكاد قلة من المشاهدين, ومن ثم تطور الأمر الي المطالبة بضرورة إقالة السيد أسامة هيكل وزير الاعلام بعد تصويره بأنه أنس الفقي وأن عهد الفقي قد عاد في حلة أخري يرتديها اسامة هيكل الذي لم يعرف عنه يوما اتفاقا مع الفقي أو نظامه برمته, ويبدو أن هؤلاء يتمنون الا يتغير التليفزيون وأن يعود أنس الفقي حتي لايجهدوا أنفسهم في الحصول علي مبرر مهاجمة التليفزيون المصري باعتباره احدي المؤسسات التي ترمز لبقاء الدولة المصرية الأكثر غرابة مما سبق هو أن يتماهي البعض مع الهجوم الاسرائيلي علي التليفزيون المصري نتيجة الحوار الحصري الذي أجراه مع الأسير الاسرائيلي جلعاد شاليط, اضافة الي الادعاء بأن تغطية حدث الافراج عن الأسري لم تكن علي المستوي المطلوب الامر الذي ربما يفسر إقدام التليفزيون في برنامج صباح الخير يامصر يوم الاربعاء19 أكتوبر علي تقديم تقرير يشرح تفرده بتغطية ذلك الحدث وكأنه يدافع عن نفسه. مغزي هذين الحدثين بما فيهما من صواب وخطأ سواء سياسيا أو مهنيا هو أن التليفزيون المصري سيظل دائما في دائرة الاتهام وفي مرمي نيران البعض الذين يسوؤهم أن يروا تقدما ولو طفيفا في التليفزيون علي الاقل من خلال المتابعة الحية للأحداث وربما كان أفضل ماكشف عنه هذان الحدثان هو عدم استسلام اسامة هيكل للحملة القاسية التي شنت ضده وضد التليفزيون بعد أحداث ماسبيرو فخاض بعدها بأيام مواجهة أخري أصاب فيها وأخطأ وأن أصر علي ذلك فالأمل يزداد في انتزاع التليفزيون ريادته للاعلام المصري والعربي فلا طريق مضمون للنجاح والتطور سوي المواجهات والتجارب بكل مافيها من صواب وأخطاء شريطة أن يتم تفادي الاخطاء التي ارتكبت من قبل والضربة التي لاتميت تقوي ورحم الله كل من أهدي التليفزيون عيوبه لاصلاحها وليس للتشفي فيه والنيل منه.