علي الرغم من أنه لم يتجاوز السادسة والثلاثين من عمره إلا أنه أصبح قائدا لفريق بحثي في واحد من أكبر المراكز العلمية والتكنولوجية بالولايات المتحدةالأمريكية. إنه الدكتور عصام حجي العالم المصري الوحيد في وكالة ناسا للفضاء, والذي حدثنا عن تقييمه لأحداث الثورة كما لو كان حاضرا أجواءها معبرا عن حنينه الدائم لمصر ومشروعاته الحالية والمستقبلية واضعا خارطة طريق وحلولا عديدة لكثير من المشكلات. * تعليقك علي أحداث ماسبيرو؟ ** لها أسباب كثيرة أهم تلك الأسباب والدوافع أن العنف الذي نراه اليوم يعكس حالة اليأس الموجودة في المجتمع ولا أعرف هل المشكلة في عدم قدرة الأقلية علي توصيل الرسالة أم أنهم يطالبون بشيء نحن كأغلبية لا نفهمه, لا اعتقد أن هناك شخصا يخرج من بيته ويقول: أنا عايز أبقي عنيف النهارده وأكبر مشكلة لدينا عدم الاحساس بأن هناك مشكلة أساسا ودائما ما نطلب في جامعاتنا ومدارسنا من الشارع أن تسود فيه قيم التسامح والمحبة بين الأديان لكن لا ندرسها لا في المدارس ولا في الجامعات, وأري أن هذا التشنج الديني سببه الرئيسي سوء التعليم لأن التسامح والمحبة بين الأديان ليسا نبتا عشوائيا ولا زرعا شيطانيا فإن لم تتم زراعتهما وتأسيسهما وتدريسهما في المدارس والجامعات فلن ينموا أبدا. * كيف تقيمون النقطة التي تقف عندها الثورة؟ ** الثورة لم تنته بعد وما حدث في25 يناير كان مرحلة أولي والمشكلة أننا توقفنا عن التغيير وبدأنا نطالب بمطالب متعددة والغريب أننا لا ندري ممن نطلبها؟ هل من بعضنا البعض أم من المجلس العسكري, اعتقد أن الثورة قامت كي تغير حياة الناس للأفضل, فهذا هو التغيير الذي نحتاجه أما التغير السياسي وحده من قوانين ولوائح ودساتير غير كاف, مصر تحتاج لتغيير اجتماعي وسياسي وتعليمي ولا معني للحديث عن الديمقراطية في غياب هؤلاء الثلاثة بل يجب علينا التوقف قليلا عن التغيير السياسي الذي أصبح أشبه بنزاع علي الحكم أكثر منه نزاعا علي الديمقراطية. * هل تؤمن فعلا بكونها ثورة؟ ** بالتأكيد هي ثورة ولها أسباب وحققت مكاسب قامت الثورة وكان المطلب الأساسي هو تنحي مبارك عن الحكم وعدم توريث الحكم وحرية الرأي وتحسين مستوي المعيشة, وقد حققنا بالفعل نجاحات لكن هناك تخبطا بعد أن تحقق المطلب الموحد وهو تنحي مبارك, فظهرت مطالب متعددة من تحسين التعليم والعدالة الاجتماعية وتعديل الدستور. * في رأيك ما هي الأسباب التي اشعلت الثورة؟ ** أكبر سبب هو الإهانة التي عاش فيها المواطن المصري طوال العقود الماضية, فقد كان مهانا في كل مكان في العمل في طابور العيش وتلك الإهانة كان لها حراس من الشرطة والفئة الحاكمة ثم صعدتها الحكومة بعدما أخذت كل شيء من الناس وحرمتهم من كل حاجة حتي من كرامتهم وانسانيتهم, وفقد الشعب الأمل في كل شيء حتي زاد غضبه وسخطه والشعب لم يعد عنده شيء يخسره وهذا هو أسوأ عدو ممكن أن تقف أمامه أو تحاربه لأنه غير باق علي شيء. * أين كان د.عصام يوم25 يناير؟ ** كنت في ندوة بالكويت وتابعت الأحداث من خلال قناة الجزيرة ليلا ثم نشرت الصحف الكويتية في صباح اليوم التالي أن أي مصري سيتظاهر سوف يتم ترحيله فورا, وبالتالي كان من الصعب أن نتجمع كمصريين هناك لكي نعرف ما الذي حدث؟ لكن لم أكن أتخيل أن الأمر سيتحول لثورة وعلي كل حال فبعد قيام ثورة تونس كان من المتوقع قيام الثورة في مصر, وأنها سون تكون بداية للتحسين. * ما الذي تخشاه علي مصرفي تلك المرحلة؟ ** الثورة بلا قائد, ليس لها قيادة والقيادة الموجودة في الحكم ليست ثورية وإن كانت تدعي ذلك وأري أن عدو مصر الرئيسي هو الاحباط الذي يحول المواطن المصري لما كانه قبل الثورة جسدا بلا روح يعني إنسان ميت يتحمل كل شيء ويقبل بكل شيء. * ماهو صدي الثورة المصرية داخل المجتمع الأمريكي وناسا تحديدا؟ ** الثورة بينت لجميع شعوب العالم أننا شعب نطمح للديمقراطية, وأننا نسعي لها كالدول المتحضرة فلسنا همجيين ولا إرهابيين ولم ندعم يوما الأفكار الرجعية فقط نطمح للديمقراطية ولدينا أحلام للتطوير جسدتها الثورة بصورة فعلية ولأول مرة تكتب جريدة التايم ماجازين عن مصر وتضع صورة العلم المصري وشباب الثورة علي صفحاتها بسبب الثورة, المجتمع الأمريكي أحس بقيمة المصريين وما نطمح إليه واحترم ذلك جدا ودعم رغبتنا في التغيير والتطوير وكل من يعرفونني هناك جاءوا ليهنئوني كمصري بالثورة, اعتقد أن النظرة كانت ايجابية جدا في أمريكا والشعور نفسه لمسته أيضا داخل ناسا, الغريب أننا شعب مشغول بصورته دائما أمام العالم وغير مشغول أبدا بصورته أمام نفسه, وكانت تلك إحدي أهم خطايا حكومات مبارك التي كانت تتحدث دائما عن صورة مصر في الخارج, وهي بالداخل والخارج مشوهة لكن الثورة هي التي أعطت الفرصة الوحيدة لهذا الشعب كي يرسم صورته التي يريدها وكما تجب أن تكون لأن الشعب يريد التطوير والتغيير ومصر يوم25 يناير كانت لأول مرة تري حلولا لكل مشكلاتها في الميدان وأخذت بالفعل خطوة للأمام بعدما عشنا30 سنة ننظر للخلف, والمشكلة أن هناك أشخاصا يريدون أن تحدث فرملة للثورة. * هل تتوقع أن تحدث انتكاسة للثورة؟ ** هم يحاولون إقناعنا بأن هناك انتكاسة للثورة بعض المسئولين الآن ليست لديهم أي خبرة عن كيفية إدارة المرحلة الانتقالية الحالية لأن خبرتهم كانت فيما مضي فقط ويريدونك أن تعود لما فات ليس لأن الحكمة سيئة بل لأنه لا يستطيع أن يديرك إلا في تلك المرحلة السابقة التي كان الشعب فيها محبطا وبيجري علي لقمة العيش لكن وأنت لك مطالب سياسية واجتماعية وآراء كثيرة تتناقلها وسائل الإعلام يوميا عن طموحات الشعب فالحكومة لاتستطيع التعامل مع الشعب وهو طموح ولديه مطالبه. * تحدثتم عن الدول المتحضرة التي نطمح للديمقراطية مثلها هل هناك في العالم كله دولة ديمقراطية بالفعل؟ ** احنا ما اتخلقناش عشان نقلد أجدادنا ولا بنقلد الغرب, لماذا نري دائما أن الطوير والتحسين من أوضاعنا هو تقليد لنموذج ما,25 يناير كانت فرصة ذهبية كي نضع التغيير الكامل الذي نريده خاصة أننا كنا ننتظر من الثورة تغييرا اجتماعيا وليس سياسيا فقط ومنه تغيير وضع المرأة وكانت قد بدأت عاداتنا فعلا تتغير بفعل الثورة ورأينا كيف قام الناس بتنظيف الشوارع وقت الثورة وكيف كانوا يحترمون إشارات المرور في ظل غياب رجال الأمن لكن سرعان ما اختفي ذلك. * كيف ترون أداء الحكومة الحالية؟ ** كمواطن مصري أري أن الحكومة الحالية غير مؤهلة للتعامل مع هذه المرحلة الانتقالية لا من ناحية الخبرة ولا القدرة ولا القدوة المعنوية ولا من ناحية السن, نعم هناك أشياء ناجحة فعلتها الحكوة فلأول مرة نجد حوارا مفتوحا بين الحكومة والشعب وأدركت الحكومة أن الشعب له سلطة كما أن الشعب يعلم يقينا أن الحكومة لها سلطة بحكم30 سنة قهرا عاشها مع الحكومات السابقة لكن أصبح هناك حوار مفتوح الآن قد يكون هذا الحوار غير متزن لكن في كل الأحوال هو خطوة ايجابية, كما أري أن الحكومة عندها بالفعل نية صادقة للتغيير لكنها غير قادرة علي التنفيذ ولا تملك الآليات وهذه النية الصادقة في ظل التخبط السياسي الواضح الآن وفي ظل وجود المجلس العسكري لن تتحقق. أنا شخصيا أثق تماما في الدكتور عصام شرف واحترم هذا الرجل وسعيد لكونه في هذا المنصب رئيسا للحكومة الحالية لكن ليست متاحة له كل الصلاحيات والناس بطبعها تحب الذم في الوزراء لكني لم ولن أذم في هذا الرجل لأنه فعلا إنسان شديد الاتزان. * كونك عالما.. فما تقييمك لوزارتي التعليم والبحث العلمي؟ ** الوزارتان لا أتفق علي وجود قيادتيهما في منصبهما الحالي, ولا أعرف علي أي أساس يتم اختيارهما وتعيينهما حكمتك يارب!, لا فيه علماء متميزين ولا مديري مدارس متميزين ولا نجاحات أكاديمية مبهرة ولا هم يعرفون طموحات الشباب أو تصرفاتهم ولا قادرين علي التعامل معهم ولا عارفين الجامعات عايزة إيه هم فقط جاءوا لكبح جماح الشباب لاعتقادهم الخاطيء بأن الشباب جيل مجنون ونشط. * وماذا عن أداء المجلس العسكري؟ ** المفروض ميبقاش هنا أساسا, نعم هم شرفاء وأبطال لكن أري أن ليس له أي دور ويجب أن يتنحي فورا ويفتح الباب لانتخابات سريعة حتي لو كانت نتائج تلك الانتخابات خاطئة لكي نحسس الشعب ولو لمرة أنه قرر شيئا واختاره بالفعل, وكلما تأخر إجراء الانتخابات تزداد البلد اشتعالا وما نراه يتكرر كل يوم أمام مبني ماسبيرو كله بسبب هذا التأخير وكل حالة الاحباط والردة الموجودة في الدولة كانت نتيجة لتأخير الانتخابات. * لكن المجلس كان له دور عظيم في حماية الثورة أيضا؟ ** الفئة المتوسطة من ضباط الصف الثاني في الجيش ومعهم العساكر هم الذين حموا الثورة والمجلس العسكري انصاع لأوامر هؤلاء القادة وليس العكس, لا أريد أن أكون منافقا, احترم حقا المجلس العسكري لكنه عليه أن يتنحي فورا ويعطي الفرصة للشباب. * من هو رئيس مصر القادم؟ ** الفقر ثم يكرر: نعم الفقر هو رئيس مصر الحالي المعين والمنتخب وهو حاكم ديكتاتور لن تقيله أي انتخابات ولن يقبل التنحي أبدا..الفقر هو حاكم مصر الأول وهو فوق المجلس العسكري وفوق كل الأحزاب السياسية. * ولماذا نحن فقراء؟ ** لأننا جهلاء ليس للتعليم ولا للبحث العلمي أي قيمة عندنا وسبب فقرنا الرئيسي هو عدم إنفاقنا علي التعليم والبحث العلمي والناس عندهم تصور أن الدول التي تنفق علي التعليم والبحث العلمي تنفق عليهما لأنها دول غنية لكنهم لا يدركون أن العكس هو الصحيح, فتلك الدول أصبحت غنية لأنها تنفق علي التعليم والبحث العلمي, الفقر هو من يحكمنا الآن ولن نتخلص من هذا الحاكم الظالم إلا بإصلاح التعليم. * فيم تلخص مشكلتي التعليم والبحث العلمي في مصر؟ ** المشكلة أن العلم في مصر ليست له أي قيمة عندنا في كل شيء لأنه ببساطة ليس له دور وهل يوجد شيء في الدنيا له دور وليست له قيمة! بالطبع لا, فأين دور العلم في مصر؟! ولا حاجة نحن نستورد كل التكنولوجيات من الخارج, وحياتنا أصبحت مبنية علي الفتاكة والفهلوة حتي عمت الفوضي في كل شيء وأصبح العلم بالنسبة لنا مجرد ديكور نظهر به في وسائل الاعلام وعلي شاشات التليفزيون حتي يعرف الجميع أن لدينا جوائز علمية وعلماء وانظري في طريقك إلي مدينة6 أكتوبر سوف تجدي جميع المنشآت لمراكز عالمية وموقف دولي وجامعات أجنبية, العلم إجابة لأسئلة ونحن ليست لدينا أسئلة أساسا, الفقر والجهل قضيا علي كل الفضول الذي بداخلنا كشعب لفهم هذا الكون. * أي فضول؟ ** تجدين مثلا السحابة السوداء حينما تظهر فنري الناس يقولون خلاص دا يوم القيامة ولو جاء زلزال دا غضب من ربنا ولو جاء الخسوف والكسوف نختبئ داخل البيوت فهل يعقل أن يكون المواطن المصري في القرن الحادي والعشرين مازال مختبئا في انسان الكهوف ويخاف من الطبيعة إلي هذا الحد وبهذا الشكل؟ المصريون هم من علموا العالم كله علم الفلك فهل يعقل أن نكون آخر ناس نفهم فيه؟! نحن في تراجع لأن العلم لم يعد له دور في حياتنا وكل شيء يحدث لنا نرجعه للغيبيات والمقدر والمكتوب, أما التعليم في مصر فهو أكثر أهميةولو نظرت لشخص سرق أو ارتشي أو عمل بأكثر من وظيفة أو قبل بوضع مهين وسألته عن سبب ذلك سوف تجد إجابة واحدة علشان أعلم ولادي ولهذا السبب يضطر لأن يفقد إما آدميته أو كرامته أو أمانته, الإنسان المصري لم يعد للأسف إنسانا بسبب سوء أحوال التعليم. * لكن هؤلاء يسرقون لسد جوع بيوتهم؟ ** غير صحيح.. التعليم أكثر إرهاقا وهما من توفير الغذاء وانظري كم تنفق الحكومة علي التعليم وكم تنفق علي الغذاء مع أنهم يقولون بأن التعليم مجاني, هو بالفعل مجاني ليس لأن حكومته تدعمه بل لأنه لم يعد يساوي شيئا عندنا وهو أيضا وحقا كالماء والهواء أصبح لا طعم ولا ريحة وتدمير التعليم في مصر ليس نتيجة الفقر وإنما هو وضع مدبر أن تحكم شعبا جاهلا فيسهل أن تتحكم فيه وتبدأ تضخ فيه الغيبيات وتجد حتي فصول المدارس الحكومية متكدسة بالطلبة يصل عددهم في الفصل الواحد لأكثر من150 تلميذا, وتدمير التعليم كمنظومة كاملة من مدرسين ومنشآت ومناهج ومقررات وطلاب بكل أسف هو سبب تعاستنا, وفي النهاية تجد أحد الوزراء يظهر علي شاشة التليفزيون ليقول إن الشباب هم الأمل ونحن نحب الشباب وأنا أحيي الشباب وهما بقالهم30 سنة بيدمروا في منشآت الشباب مفيش أي إحساس ولا دم. * هل لديك رؤية عمليةوعلمية لمواجهة هذا الوضع؟ ** لابد من اصلاح المدرسة أولا بأن تكون هناك خطة اصلاح واضحة تأتي من تحت لفوق حيث تجتمع كل مدرسة مع مدرسيها وأولياء الأمور والطلبة ويتناقشون وتضع كل مدرسة خطة اصلاح خاصة بها بناء علي نوعية مشكلاتها وحاجاتها ثم ترفع المدارس خططها إلي المناطق التعليمية التابعة لها ثم تقوم المنطقة بدورها بتجميع تلك الخطط ودراستها وتحليلها وترفعها إلي الوزارة لتقر لها ميزانية وتطبقها وليس العكس يأتي قرار وزاري غير مدروس من فوق لتحت يطبق علي كل المدارس دون مراعاة الفروق بين المدن وعدد السكان والحضر والريف فالبداية من المدرسة أولا ثم إن هناك سؤالا يلح علي ويستفزني للغاية أريد أن أعرف اسم وزير واحد فقط من وزراء التربية والتعليم أو البحث العلمي له ابن في مدرسة أو جامعة حكومية؟! بل إن أحد أفلامنا رصد بكل وقاحة أن وزيرا أراد أن يعاقب ابنه فأرسله ليتعلم في مدرسة حكومية, نحن نضحك علي هذا الوضع مع أنه مخز للغاية ولو تم بث الفيلم في أي دولة في العالم كانت تبقي مهزلة لقد تعودنا أن نري أبناء السادة المسئولين في المدارس والجامعات الأمريكية والبريطانية والسويسرية أما مدارس الحكومة فهي فقط لخدمة البؤساء أمثالنا. * هل نفهم من ذلك أنك سوف تعلم ابنتك في مدرسة حكومية؟ ابنتي في مدرسة اجنبية لاني اعيش واعمل اساسا في بلد اجنبي فهذا أمر اضطراري لكن من الممكن أن اجعلها تتغرب وتسافر من أجل العمل أو للعلاج أو مع زوجها مثلا لكن ليس من أجل التعليم في مدرسة ولا يعقل أن تكون الغربة حلا لكل مشاكلنا, وما ينطبق علي اصلاح المدرسة ينطبق أيضا علي منظومة الجامعة وتأتي الخطة أيضا من تحت لفوق. * ماذا ستفعل لو أصبحت وزيرا للتعليم أو البحث العلمي؟ ** أعوذ بالله إن شاء لن يحدث ذلك أبدا ولكن لو كنت وزيرا فأول شيء سأفعله هو عمل زيارات ميدانية مفاجئة للمدارس وأضع خطة اصلاح كاملة كما ذكرت مسبقا وهذا الاصلاح يتطلب ثلاث سنوات إذا اتسم الأمر بالجدية ولا ننسي أن هناك تربية قبل التعليم لذا فالمدرسة والجامعة يجب أن تكونا مكانا نموذجيا ورياديا وإلا فما الفارق بينهما وبين الشارع؟ وهذا ما يجعل للمدرسة صوتا وللحرم الجامعي هيبته فعادات وتقاليد مجتمع المدارس والجامعات من المفترض أنها مختلفة تماما عن عادات الشارع, في الداخل مصر المستقبل والطريق للأمام وليس مصر ال500 سنة للوراء, لابد أن تكون المدرسة مكانا يحبه الطالب مكانا تنفق عليه الحكومة ببذخ ويرفعوا ميزانية وزارة التعليم والبحث العلمي لتساوي ميزانية وزارة الداخلية لأن أكثر خطر علي أمن مصر هو الجهل الذي يعيش بداخلنا خاصة ونحن لا نقرأ أساسا. * لمااذ الشعب المصري غير قارئ؟ ** أعلم يقينا أننا شعب لا يقرأ لكن لم أسأل نفسي يوما عن السبب فربما لأننا تخلينا في منظومة التعليم عن القراءة واكتفينا بالسرد لكن الواقع الذي أقره هو أن تبيع كتابا في مصر كأن تبيع مصحفا في إسرائيل, نحن لانقرأ لأننا لم يعد هناك شيء في حياتنا نريد أن نعرفه نحن حولنا مجتمعنا للفقر والجهل, مجتمع بسيط جدا أقصي ما يتمناه المرء كي يعيش فيه هو القرش وهذا أمر لا يصعد دولة ولا يبني حضارة لأننا استبدلنا كل القيم الاجتماعية بالقيم المادية إلي معاه قرش بساوي قرش, وزرعنا ذلك وسط الناس وأصبحنا للأسف دولة مصالح وليس دولة مبادئ فالمصلحة تطغي وتتفوق علي كل شيء فيها, كما أن الناس تقرأ حتي تري أشياء جديدة لكن كل شيء في حياتنا نستوحيه من الماضي من العادات والتقاليد وقوائم الممنوعات والاجبارات فلماذا يقرأون؟ القراءة تمرين ومجهود ذهني لم نرض به. * ومتي تصبح مصر دولة عظمي إذن؟ ** حينما نصلح التعليم, سأحكي لكي شيئا لو نظرت حولك ستجدين أرقي أماكن في مصر هي الفنادق والسفارات التي أقيمت أساسا من أجل الأجانب لكني عشت في فرنسا وأمريكا سنوات طويلة وليست المدن الأمريكية بالفخامة التي يتصورها معظم الناس لكن اللافت للانتباه خاصة في أمريكا أن تجدي أفخم مبني في المدينة هو المدرسة وأرقي مبني في المدينة هو الجامعة, ويوم ما مصر تعمل كده, أن تكون المدرسة والجامعة هما أرقي الأماكن وليست الفنادق صاحبة السكاري والهرج فسوف تجدين مصر في أحسن أحوالها لأنها ستصبح مكانا يحبه الطالب ويقبل عليه كل يوم بشغف, وأري أن المعلمين والطلاب هم أهم ناس في مصر, لأن لديهم أهم مهمة في مصر هي تعليم أبنائنا الذين سوف يبنون مصر الغد. * أين القيادة الشبابية في مصر؟ ** القيادة الشبابية في مصر أخطأت حينما وثقت في المجلس العسكري وأخطأت أكثر أنها لم تتقلد الحكم مباشرة بعدما أجبروا مبارك علي التنحي, فكما أخذوا الحزب الوطني أثناء المظاهرات كان يجب ألا يتركوا القيادة بعد تنحي مبارك إلا بعدما يختاروا من يشغل المناصب القيادية لكن الذي حدث أن الشباب توقفوا عند نقطة تنحي مبارك وأصبح كرسي الحكم شاغرا فجاءت القوات المسلحة لتشغل المنصب, اعتقدأن الثورة لم تكتمل بعد لأن مصر مازالت كما هي ولو أن القيادات الشبابية للثورة تولوا المناصب الوزارية كنا سنري مصر مختلفة تماما وأفضل حالا والشباب لديه وعي سياسي وقادر علي التطوير. * ما تعليقك علي طريقة سير المحاكمات لمبارك ونجليه ورموز النظام السابق؟ ** في الواقع هو سيرك سخيف جدا وملهاة عن القضية الحقيقية, نعم هؤلاء مفسدون وتجب محاكمتهم لكن ليس إلي الحد الذي نراه الآن بشكل طغي علي كل أولوياتنا فليس أمر محاكمة هذا أو ذاك ما تحتاجه مصر الآن وليست تلك القضية هي التي تستحق أن تكون الشغل الشاغل لنا خاصة أن هذه المحاكمات أصبحت تكاد تكون صورية, نعم بعد30 سنة قهرا لم نعد نستطيع أن نفرق جيدا بين من هو فاسد ومن هو شريف لكن سواء اتفقنا أم اختلفنا فهم فاسدون وسوف ينالون عقابهم, وبالتالي علينا أن ننظر للأمام ونقف مع أنفسنا كمصريين ونتعلم أن نتسامح ونسامح وأن ننسي وأن نطوي تلك الصفحة السوداء ولا نشغل أنفسنا في قراءة كل كلمة من سطورها, وبعدين هنحاسبهم علي ايه ولا إيه؟ البلدي دي80 مليون شهيد نحن نعيش كالموتي لأننا بلا مستقبل وأول شيء كنا نتعلمه في الجامعة أنك شاب بلا مستقبل طالما ليست هناك واسطة, مصر فيها شباب قوي وكفانا مزايدات سخيفة في الوطنية ولن نتطور أبدا إلا حينما يتوقف هذا الصراع. * بمن تفسر الاهتمام بنشر أخبار الفساد والمفسدين ومحاكمتهم أكثر من تبني رؤي الإصلاح؟ ** قد يكون من أجل تهدئة الشارع, لكن هناك تخبطا واضحا ولا أريد أن أقسو كثيرا علي الحكومة لأنها ببساطة ليس لديها حكم فهي تحكم وتعيش اليوم بيومه والوزارات تلعب ماتش سخيفا في مباراة مكررة تحاول أن تكسب وقتا لكن الحكومة عايشة اليوم بيومه, فعندما يغضب الشعب تهدئه وعندما يهدأ يتكرر الماتش. * من يصلح رئيسا للجمهورية؟ ** مصر تحتاج لقيادة معنوية تحتاج لشخص مثل غاندي زاهد, محترم, الناس تثق فيه فعلا ويكون قدوة لهم في السلوك ولا يحكم بقبضة من حديد أو يعامل الناس علي أنهم وحوش, وبالمناسبة الشعب المصري وأنا منهم علي الرغم مما فيه من ميل للعشوائية في سلوكه والميل للعصبية في كثير من الأحيان إلا أنه شعب شديد الطيبة يمكن أن تكسبه بكلمة وليس برصاصة فهو شعب مطيع وصبور, أنا شخصيا لن اختار ولم أحدد شخصا بعينه يمكن أن انتخبه لكن الواقع الذي أراه أن هناك عددا من المرشحين أكفاء وأن المصريين أمامهم فرصة لاختيار أحدهم. * وهل يمكن أن نري د.عصام مرشحا لرئاسة الجمهورية؟ ** بالطبع لا.. أنا لا أصلح لأي منصب سياسي علي الإطلاق وعالم السياسة يزخر بالعقول وغير محتاج لعقول أخري أنا رجل علم ولن استطيع أن أغير الكون والشيء الوحيد الذي استطعت تغييره هو نفسي وكفاني ذلك, وكثيرا ما يسألني الناس هل وصلت إلي الرفاهية لتترك كل شيء علي الأرض وتذهب لدراسة المريخ؟ ولم يعرف هؤلاء أنني لم أجد واسطة لأعمل بها علي الأرض ووجدت أن المريخ هو المكان الوحيد الذي قبلني بدون واسطة, ويضحك ثم يقول: الوظيفة الوحيدة التي قبلت فيها هي ناسا ثم استقلت من الجامعة بسبب قوانينها السطحية. * ما علاقة علم الفلك بعلم الجيولوجيا؟ ** هناك خطأ شائع في الإعلام لأن بعض الصحف تصفني بالجيولوجي وأنا تخرجت في كلية العلوم قسم الفلك ودرست علم دراسة الكواكب واكتشافها وهذا العلم يشمل الجيوفيزيا والجيولوجيا وجزءا من الفلك وتخصصات أخري عديدة تتقارب في مراحل فلكية كثيرة ومراصد فلكية مثل مرصد حلوان وهذا شيء متعارف عليه, وعلي ذلك فإن الجيولوجيا تدرس الأرض والفلك يدرس الكواكب والنجوم والأرض واحدة من هذه الكواكب لذا فهما مكملان لبعضهما البعض ويطلق عليهما جميعا اسم العلوم الطبيعية. * تعاونت كثيرا مع د.فاروق الباز صف لنا هذه العلاقة؟ وتقييمك لمشروعه ممر التنمية؟ ** د.فاروق الباز رجل شديد الاحترام والوقار وأنا شخصيا أحبه جدا واحترم آراءه, رجل رائع شديد الوطنية بسيط متواضع وخدوم, حي ونشيط جدا وزميل بحكم تخصصه تعاونا معا في مشروعات كثيرة وهو حقا انسان يستحق كل التقدير, أما مشروعه فلا يمكنني الحكم عليه لأنني لم أقرؤه ولم آره لكني أثق تماما في قدرات وعقلية هذا الرجل ومن يقرأ أبحاثه يعرف أنه عالم بمعني الكلمة. * في ظل هذه التكنولوجيا لماذا لا توجد في مصر خريطة حتي الآن توضح أماكن المياه الجوفية بها؟ ** توجد خرائط بدائية جدا تحتاج إلي تطوير وتدقيق وتكنولوجيا حديثة ومشكلتنا طبعا تنصب علي مدي احتياجنا لها, وعدم وجود خرائط مائية دقيقة في مصر سببه التراجع في الامكانات والماديات المتاحة للهيئات المتخصصة لدراسة تلك المناطق, وقد حاولت عمل مشروعات تعاون كثيرة لكن كانت هناك صعوبات إدارية وأمنيةكثيرة جدا داخل مصر فكنا نقوم بتجارب محدودة. * ماذا عن مشروع اكتشاف المياه الجوفية في صحراء مصر؟ ** من خلال التكنولوجيا الموجهة للمريخ يتم رصد المياه من خلال الرادار وقمنا بتطبيقها وتجريبها في صحراء مصر منذ عام1999 وحتي2009 وقمنا بالفعل برصد بعض المناطق ودراستها كما في الواحات البحرية والداخلة والخارجة وقد صورنا المياه علي عمق بضع مئات الأمتار من السطح وتلك هي التكنولوجيا نفسها المستخدمة علي المريخ ومحتاجون فقط نعممها بشكل أكبر وأوسع ومن خلال الطائرات المحمولة جوا لتغطي مساحات أكبر ونكررها زمنيا لمعرفة مدي تغير منسوب المياه. * كيف تقرأ مستقبل مصر القادم؟ وهل هناك فرصة للنهوض بها؟ ** ليس هناك شخص يملك بلورة سحرية يري فيها مستقبل مصر, ولا حتي أكبر الخبراء فمن الصعب جدا التطلع لمستقبلنا لأن الواقع عندنا عشوائي للغاية, لكن بالتأكيد هناك فرصة للنهوض لأننا أمة غير مغيبة وتفعيل العقل المصري والأيادي المصرية هو ما سيساعدنا في حل مشكلات مصر ونحن نستطيع عمل خطة خلال خمس سنوات لرفع مستوي المعيشة في مصر وتحسين الأوضاع ويجب وضع خطة اصلاح اجتماعي وتعليمي والباقي سوف يأتي تابع لهما لأن أكبر معاناة للمواطن المصري هو وضعه في المجتمع. * ما الذي تحتاجه مصر سريعا لنهوضها اجتماعيا؟ ** لكي نرسم الابتسامة علي وجه المواطن المصري لابد من الاهتمام بقضية البيئة والنظافة فلا يمكن أن نعيش سعداء في بيئة قذرة, أيضا قضية المرأة وإصلاح العلاقة بين الرجل والمرأة التي باتت مريضة لعقود طويلة, وتلك قضية مهمة تستنزف القدرات الذهنية والمعنوية للمواطن المصري, فيجب أن نبسط هذه العلاقة ونحترم أشكالها وخصوصياتها وحق الناس في الاختيار دون وضع قوالب معلبة لأشكال هذه العلاقة والانشغال فقط بكيفية توفير الشقة والشبكة والعربية, فكل ذلك يستنزف الأسر ويقتل طاقة الإبداع داخل الشباب, كما أن الوضع المريب الذي تعيشه المرأة يسبب التعاسة للرجل والأسرة كلها وعلي الرغم من وجود الشعارات التي تنادي بإصلاح وضع المرأة كونها نصف المجتمع دون تفعيل ذلك فسوف ينهار المجتمع حينما يكون نصفه مهمشا والبعض قد يقول إن المرأة اخذت حقها وخرجت للعمل وحققت ذاتها وهم لا يعرفون أن09% من نساء مصر خرجن للعمل لأنهن أجبرن علي ذلك وليس لديهن أي مصدر دخل آخر.