خلال الجلسة غالب دموعه أكثر من مرة, تذكر بطولات وتضحيات عديدة قام بها زملاؤه الطيارون والعمال في المطارات الحربية, يقول اللواء طيار حسين القفاص: يحاول البعض الآن انتقاما من رأس النظام السابق ان ينكر مجهود الطيارين, الذين كان لهم دور رئيسي في معركة العبور. فلولا طلعات الطيران التي قصفت حوائط الدفاع الصاروخية الإسرائيلية علي الضفة الشرقية, ثم تلك الطلعات التي قصفت مارينات الدبابات والطائرات والدشم ومخابئ الأسلحة, لما تمكنت قوات المشاة بجميع تجهيزاتها من العبور, لأن الخسائر كانت سترتفع إلي حدود خرافية. حسين القفاص كان من الطيارين الذين شاركوا بالهجمات الجوية المتتالية علي الضفة الشرقية للقناة منذ اليوم الأول, ثم أسهم في التغطية الجوية للقوات طوال الأيام التالية, وخلال هذه الفترة شهد بطولات عديدة قام بها زملاؤه بسلاح القوات الجوية, يقول القفاص: دخلت الحرب محملا بمرارتين, مرارة ارضنا المحتلة, ومرارة التهجير الذي طالني وعائلتي بسبب الاعتداءات الإسرائيلية, فأنا من الإسماعيلية. القفاص فاجأه الاستدعاء بعد أسبوع واحد من حفل زفافه فعاد إلي جبهة القتال مستعدا لعرس جديد يحكي عنه فيقول: كان زفافي قبل الحرب بأسبوع واحد ضمن خطة التمويه الاستراتيجية, فقد كنت من الطيارين الرئيسيين بمطار الصالحية الحربي في منطقة الضفة الشرقية, ورغم ذلك استجبت للأوامر وحصلت علي إجازة دون ان اعرف ان الحرب وشيكة, اذكر انني هاتفت عاطف السادات وكان زميلي بذات السرية وسألته: هو اخوك ده ناوي علي إيه؟ احنا مش هنخلص بقي؟, كنت متشوقا مثل كل زملائي لخوض معركة العبور وتحرير سيناء لم اكن اعرف ان صديقي عاطف سيكون من اوائل الشهداء في الطلعة الأولي المشكلة من220 طائرة. يوم السادس من أكتوبر تمكن القفاص وزملاؤه من تحقيق90% من الاهداف المطلوبة, الأمر الذي ابهر قياداتهم, لكون سلاح الطيران كان مشكلا وقتها من طائرات قديمة بالمقارنة بسلاح الطيران الإسرائيلي, الحاوي لاحدث ما أنتجته العسكرية الأمريكية والأوروبية. لم يسهل قيام القفاص وزملاؤه بتدمير جانب كبير من الدفاعات الجوية الإسرائيلية من مهامهم في الطلعات الجوية التالية, وهو مايفسره بقوله: كنا نعرف كل التفاصيل عن العدو, وتمكنا بالفعل من تدمير90% من دفاعاته الجوية خلال اليوم الأول للمعركة, لكن طائراته المتقدمة كانت تحمل لنا خطورة دائمة. يذكر القفاص برهبة احدي طلعاته في منتصف المعركة, كان القفاص محلقا لتنفيذ التغطية الجوية لكتيبة مشاة, واضطر لدخول مناورة مع طائرات إسرائيلية كان عليه هو وزملاؤه في التشكيل ان يقصفوها من مدي قريب, بعد تنفيذ المهمة فوجئ القفاص أنه صار غير قادر علي رؤية المدي, وإنه لم يعد يري سوي ميسرة الطائرة فحسب, فاتصل بالقيادة, وعادت إليه الاوامر بإخلاء الطائرة والقفز منها, لكنه اصر علي مخالفة الاوامر واتخذ اتجاه مطار الصالحية عائدا وهو فاقد للرؤية. ويفسر القفاص مخالفته للأمر قائلا: كان صعبان عليا الطيارة, فأنا اعرف ان عدد طائراتنا قليل, وكنا قد فقدنا بعض الطائرات بالفعل خلال أيام الحرب الأولي, ويعد اتخاذ قرار ترك طائرة لانقاذ حياة الطيار وقتها تضحية كبيرة, لهذا اردت العودة بالطائرة واصلاحها حتي لايفقد سلاح الطيران احدي مقاتلاته. نجح القفاص في الهبوط بالطائرة وسط تهليل واستقبال حافل من زملائه وجده القفاص مبالغا فيه ليطلب منه قائده النظر للطائرة التي هبط بها لتوه, فوجدها القفاص قد تعرضت للانصهار الكامل مما جعل من هبوطه بها سالما وبهذه الكفاءة معجزة حقيقية.