بات اسقاط الهيبة عن الجميع والحط من شأن الكبار وتقذيمهم امرا شائعا وواقعا مألوفا في الشارع المصري والبيت والساحة السياسية علي حد سواء, فالمتابع للمشهد العام يدرك انه لم يعد هناك احترام ولا اعتبار لكبير مهما يكن موقعه. وتحولت العلاقة بين الصغير والكبير إلي صورة غامضة فلا هي عالجت عيوب الزمن البائد حيث كانت تقوم علي الخوف والترهيب بالحديد والنار وانما تخلصت من روح ميدان التحرير واتجهت إلي عالم الفوضي العارمة وقوامها الصوت العالي ورفض رأي الكبار مهما كان صائبا والاستخفاف بالسلطة والقانون ومن يمثلهما. وبحسب خبراء ومحللين فان استمرار النيل من الكبار سواء كان رب الأسرة أو المسئول في اي موقع بأجهزة الدولة من شأنه ان يضر بمصلحة الوطن ويؤثر سلبيا علي عجلة الانتاج خاصة اذا ما اصبحت السياسات المرسومة للنهوض بأي قطاع في الدولة عاجزة عن تفعيلها في ظل مدير لاكلمة له مع مرؤوسيه ومأمور لايستمع إليه ضباطه, ومدرس ينهره تلاميذه وأب يعتدي عليه ابنه.. الخ. قبل الثورة كانت العلاقة بين الصغير والكبير الموظف والمدير والمرءوس والرئيس يحكمها الخوف من البطش وذراع السلطة التي ان امتدت بسوء لاترحم احدا, فالصغير كان يخشي جبروت من يعلوه منصبا وتلك كانت عقدة في كل هيئة وقطاع من قطاعات الدولة وذلك في رأي الدكتور سامي هاشم استاذ علم النفس بكلية التربية جامعة قناة السويس وعميد الكلية السابق لكن الامور تغيرت الآن وانهار حاجز الخوف مع نهاية عهد الرئيس المخلوع بجبروته وبطش رجاله, ورغم انه كان من المفترض أن يكون الاحترام المتبادل وتوقير الكبير ايما كان موقعه, هو المحدد لهذه العلاقة فان ذلك لم يحدث لان البعض فهم الحرية بطريقة خاطئة وتوهموا انها ترادف تمرد الصغير علي الكبير وان تجاوز السلطة وخرق القانون هو نوع من اثبات الذات والتحرر من القيود القديمة وهو ما دفع بنا في النهاية بحسب هاشم إلي تلك المرحلة. وإذا كان من البديهي ان يحدث انهيار في طبيعة العلاقة بين الفرد والسلطة( الصغير والكبير) خلال الفترات الانتقالية فإنه ليس بديهيا أن نتمادي في ذلك, وان تبدو المرحلة الانتقالية في بلدنا انتكاسة لقيمنا ومبادئنا التي تمثل حجرا اساسا في هويتنا المصرية القائمة علي تقديم الكبير إذا ما ارتضينا قيادته وتماشيا مع مثلنا الشعبي ذي الدلالة الواضحة علي دور الكبير في حياتنا اللي مالوش كبير يشتري له كبير. هناك خيط رفيع بين الحرية والفوضي والانفلات الاخلاقي علي حد قول استاذ علم النفس وهذا الخيط يلحظه البعض ويتجاهله البعض الآخر أو يغيب عنه طوعا أوكرها, ويجب ان ندرك ان النظام و السياسة القديمة والاحترام القائم علي الخوف والتخويف لن يعود ابدا فقطار الحرية المسئولة ينطلق إلي الامام ورغم ان هناك فئة ليست قليلة تعطي الكبير حقه فان من يفعلون عكس ذلك هم الأكثر ظهورا والأعلي صوتا والأقدر علي التأثير في المجتمع المصري, لان الظاهرة السلبية دائما تلفت الانتباه أكثر من مثيلتها الايجابية. الإعلام بدوره, لم يكن في مأمن من قذائف الاتهامات التي تطوله كأحد العناصر الفاعلة في انتشار الظواهر السلبية والايجابية علي حد سواء كما يقول الدكتور سامي هاشم فلغة الحوار الدائرة في وسائل الإعلام تحتاج إلي تهذيب حتي تصبح لغة تقوم علي احترام الكبير وتوقيره دون ان نتستر علي اخطائه أو نتجاوز عنها, فلايجوز ان تشاهد الاسرة برنامجا علي شاشة احدي الفضائيات, يتهكم فيه شاب صغير علي مسئول او ضيف يكبره ولايعطي له فرصة ابداء رأيه, فهذا يعطي انطباعا سيئا لدي المشاهدين ويفتح الطريق امام الصغار ليقلدوا ما شاهدوه. لاسقاط الهيبة عن الجميع والتجرؤ علي الآخر اسباب عدة حسبما يري الدكتور حسام طلعت بندق مدرس التخطيط والتنمية الاجتماعية بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بكفر الشيخ فالغزو الثقافي وما استتبعه من ضرب لسلاح القيم في الأسرة وداخل مؤسسات الدولة توافق مع فقدان الهوية والانتماء لدي البعض وظهرت مصطلحات في الشارع المصري من عينة وانا مالي وانا مش هغير الكون.. الخ إلي جانب غياب دور منظمات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات في توعية المواطنين باحترام الكبير ومن يتولي الأمر منا وهو ماينعكس علي تدهور العلاقة بين الصغير والكبير. علي رأس ما سبق من اسباب والكلام لمدرس التخطيط الاجتماعي يأتي دور التعليم الذي اصبح يكرس للنيل من شخص الكبار بما يشوبه من عنف مدرسي وخواء في المناهج واعتداءات شبه يوميه من قبل التلاميذ علي بعضهم البعض من ناحية وعلي مدرسيهم ومسئولي العملية التعليمية من ناحية اخري, اضف إلي ذلك غياب روح الفريق في العمل الTEAMWORK وتغيب كوادر الصفين الثاني والثالث لان كل شخص في مجتمعنا اصبح لايريد لاحد ان يظهر سوي نفسه وتلك القيادة الديكتاتورية تفقده سمة رئيسية من سمات القيادة الناجحة التي تقوم علي التشاور وتبادل الرأي مع مرؤوسيه وبالتبعية يفقد احترامهم الذي يزول فور تخليه عن منصبه وبالتالي تستفحل الظاهرة في جميع أجهزة الدولة والمجتمع.