هل ثوار ليبيا مضطرون حقا وصدقا الي منح القوي الغربية الكبري التي ساعدتهم في نصرة ثورتهم امتيازات نفطية هائلة كمكافأة لها علي مواقفها الداعمة لهذه الثورة. التي اطاحت بواحد من أطول الأنظمة الديكتاتورية بقاء في السلطة في التاريخ العربي الحديث؟ مناسبة هذا التساؤل الاقتصادي الاستراتيجي تلك التسريبات الإعلامية الغربية المثيرة للجدل التي تحدثت عن تعهد المجلس الوطني الانتقالي الليبي بمنح فرنسا خمسة وثلاثين في المائة من النفط الليبي ثمنا لموقف الدولة الفرنسية المؤيد بالمال والسلاح للثوار الليبيين وهي التسريبات التي نفاها المجلس والحكومة الفرنسية جملة وتفصيلا. فقد ذكرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية الذائعة الصيت ان المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي اعترف به السواد الأعظم من دول العالم بوصفه الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي وقع اتفاقا سريا للغاية في شهر أبريل الماضي أي عندما كانت الثورة في ذروة معمعتها مع الحكومة الفرنسية يقضي بمنح فرنسا خمسة وثلاثين في المائة من النفط الليبي مقابل الدعم التام من جانب الدولة الفرنسية للمجلس. درجة المصداقية و أكدت وكالة رويترز للأنباء انها اطلعت علي نسخة من الوثيقة أو الخطاب الخاص بهذا الاتفاق الذي نشرت نبأه جريدة ليبراسيون التي من الصعب جدا وفق مراقبين أن تجازف بمصداقيتها الصحفية الكبيرة وتتورط في نشر اخبار كاذبة من هذا العيار الثقيل. وكشفت هذه الصحيفة في معرض تحليلها لهذا النبأ عن انه من الصعب للغاية تصور قيام فرنسا بمساعدة الليبيين بدون ثمن وأنه من الطبيعي ان يكون هذا الثمن كبيرا. وذكرت الصحيفة في هذا الصدد إن حماية المدنيين الليبيين, والمساعدة في بناء ليبيا جديدة هي أولويات فرنسية تخفي وراءها بعدا تجاريا أساسيا. ومضت الجريدة الفرنسية قائلة: إنه في يوم3 أبريل أي بعد17 يوما من المصادقة علي القرار الأممي رقم1973 وقع المجلس الانتقالي رسالة جاء فيها انه بخصوص الاتفاقية الخاصة بالنفط والموقعة مع فرنسا مقابل الاعتراف بالمجلس خلال قمة لندن بوصفه الممثل الشرعي الوحيد لليبيا فقد خولنا الأخ محمود شمام لتوقيع هذا الاتفاق القاضي بمنح فرنسا35% من مجموع مالدينا من نفط خام علي ان تدعمنا فرنسا دعما تاما ومستمرا. ثمن الدعم وفي أول رد فعل فرنسي علي هذه التسريبات صرح وزير الشئون الخارجية الفرنسية لإذاعة أر تي أل قائلا: ليس لدي علم بهذه الاتفاقية لكنه أضاف من المنطقي جدا ان الدول التي ساعدت الثوار ستستفيد اكثر عند انطلاق إعادة بناء ليبيا. أما مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي فأكد أن الحكام الليبيين الجدد سيكافئون الدول التي ساعدت ليبيا حسب نوع المساعدة التي قدمتها للثوار. كما قال ماتي جيدير المحلل المختص في الشأن العربي بجريدة ليبيراسيون, إن هذا الاتفاق ليس إلا تعويضا نزيها لفرنسا عن جهودها في تحرير الليبيين من غطرسة القذافي وأنه اعادة توزيع للثروة فحسب. الشعب الليبي ليس فقيرا فهو إذن لايمد يده استجداء للدعم المجاني, بل يعوضه وإن فرنسا ماضية في الالتزام بشقها الوارد من الاتفاقية فهي تحتضن الآن60 دولة في مؤتمر أصدقاء ليبيا. كعكة النفط الليبي وبصرف النظر عما إذا كانت هذه التسريبات حقيقية أو ملفقة, فإنها في نهاية المطاف تسلط الأضواء علي صراع لم تستطع أطرافه الكبري معه صبرا حتي اكتمال هذه الثورة.. إنه الصراع علي كعكة النفط الليبي الذي يعد من اجود أنواع النفط في العالم والذي تعد احتياطياته الأضخم علي الإطلاق في القارة الإفريقية. فهل ستمد القوي الكبري التي شكلت رأس الحربة إلي مساندة الثورة الليبية مثل فرنسا وبريطانيا وأمريكيا وإيطاليا الي استغلال وقفتها الي جوار الثوار لتبتز النظام الثوري الجديد في طرابلس لتصول وتجول في قطاع النفط الليبي كي تنهل من خيره بأكثر مما كان مسموحا لها إبان عهد القذافي الذي وقف حجر عثرة دون استغلال نفط بلاده علي هوي الشركات الغربية العملاقة. المجلس الانتقالي الليبي اكد مرارا وتكرارا أنه لن تكون هناك محسوبيات سياسية وأن الشفافية ستكون الحاكم الأكبر في عملية إرساء العقود لكنه لم ينف أن الثورة لن تساوي في نهاية المطاف بين من وقف معها وبين من تخلي عنها. لكن في المقابل ثمة خبراء يقولون إن ضخامة الثروة النفطية الليبية تجعل الثوار الليبيين في وضع تفاوضي قوي للغاية وبشكل قد يحبط كل مطامع القوي الكبري التي تسعي لاستغلال هذه الثروة بثمن بخس. وضع قوي ويوضح هؤلاء وجهة نظرهم بقولهم إن القوي المتعطشة للنفط الليبي والمتنافسة عليه كثيرة العدد بشكل سيجعل في وسع النظام الليبي الثائر الجديد فرض شروطه بسهولة عليها, وأنه حتي إذا عمد هذا النظام إلي منح مكافآت سياسية لهذا الطرف أو ذلك فإنه من المنطقي ألا تكون هذه المكافآت سخية أكثر من اللازم. ومع تعهد الثوار باستئناف الصادرات النفطية سريعا, فإن هناك من يقول ان هذا الأمر سيصب في صالح الشركات العاملة أصلا علي الاراضي الليبية مثل توتال الفرنسية وريبسول الإسبانية وإيني الإيطالية لأنه لا يوجد متسع من الوقت للبحث عن بديل لها. ويعني هذا الأمر أن اي تغيير جذري لخريطة القوي النفطية العاملة في ليبيا لن يكون إلا علي المدي المتوسط أو الطويل وذلك عبر العقود الجديدة التي سيجري إرساؤها وهو ماقد يستغرق سنوات عدة. كما أن لدي ليبيا أصولا مالية في الخارج قد تصل قيمتها إلي مايقرب من مائة وسبعين مليار دولار, وهو ما قد يجعل الدولة في حل من تقديم تنازلات لهذا الطرف أو ذاك لتأمين المال اللازم لتنشيط هذا القطاع الحيوي لكن الأهم من هذا كله وفق كثيرين هو مدي صمود النظام الليبي الثوري الجديد في وجه ضغوط القوي المتربصة بهذه الثورة النفطية.. وهي القوي التي برهن تاريخ المنطقة علي أنها ما أن تشتم رائحة النفط حتي يصيبها سعار الرغبة في استنزافه أينما وجد وحتي اخر قطرة حتي لو حولت هذه الثورة من نعمة الي نقمة علي اصحابها. ولكن ماهي قدرة القادة الجدد في ليبيا علي العودة بصادرات بلادهم من النفط الي سابق عهدها فرغم ان الثوار تعهدوا بالعمل علي استعادة حصة ليبيا النفطية المتفق عليها في إطار منظمة أوبك خلال بضعة شهور( كان إنتاج ليبيا من النفط يبلغ نحو1.6 مليون برميل يوميا), فان ثمة مراقبين يؤكدون ان الوفاء بهذه الوعود لن يكون سهلا, وهؤلاء يبرهنون علي وجهة نظرهم بتأكيد النقاط التالية: * إن ليبيا نفسها كانت تنتج قبل الأحداث الأخيرة نصف الكمية التي كانت تنتجها قبل وصول القذافي الي السلطة في ستينيات القرن المنصرم. كما أن الأمر نفسه ينطبق علي العراق الذي لم يتمكن من إنتاج الكمية التي كان ينتجها قبل الغزو الأمريكي إلا بعد ثماني سنوات من هذا الغزو. وينطبق كذلك علي إيران التي انخفض إنتاجها بعد الإطاحة بالشاه من عدة ملايين من البراميل يوميا الي نحو مليون برميل فقط. كما أن روسيا لم تتمكن من استخراج نفس الكمية, التي كانت تستخرجها قبل تفكك الاتحاد السوفيتي إلا منذ بضع سنوات فقط. أكثر من ذلك فإن الصراع علي تركة القذافي الذي قد ينشب بين مختلف الجماعات الثورية وغير الثورية في البلاد.. هذا الصراع من الممكن ان يعرقل بشدة حركة الاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي, بل وقد يعقد عملية اتخاذ القرارات فيه, أو هكذا يعتقد متشككون