التمسك بالصبر وتهذيب النفس وكبح الجوارح سمات الصائم الحق فى رمضان تسمو الأنفس وتعلو قيمة الصبر وتتجدد طاقات التقوى والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فالشهر الكريم فرصة ذهبية لكل مسلم نال شرف الفريضة لينال أيضا الجائزة الإلهية التى احتفظ بها الله ليكافئ بها عباده الصائمين كما جاء فى الحديث القدسى «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به»، والعبادة فى شهر رمضان متعددة فهى عبادات نفسية تزهو بها الأرواح وتتجلى فيها معانى الطاعة والامتثال لما أمر الله به من أحكام، ولاشك أن الصوم هو عبادة وركن من أركان الإسلام الخمسة، «الأهرام المسائى» أجرت هذا الحوار مع الدكتور أحمد الأمير جاهين، عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بأسوان: سألناه .. كيف يمكن أن يهذب الصيام من جوارح الإنسان ونحن فى هذا الشهر الكريم ؟ إن الإنسان يحتاج بين فترة وأخرى إلى التذكير بأبواب الخير حتى يطرقها، وبمسالك الرشاد حتى يقصدها، ونحن فى شهر رمضان نتذاكر ثمرات الصيام، حيث يحفظ الإنسان جوارحه من سائر الذنوب لتكتمل صورة الصائم بالامتناع والإمساك عن كل ذنب صغر أو كبر، وعن كل موبقة حقرت أو عظمت، وعلى كل مسلم صائم ألا يترك نفسه لشهوة اللسان تارة ولشهوة النظر والفرج تارة أخرى فيخرج عن حقيقة الصيام التى هى الإمساك. ولكن هناك ظواهر شاذة فى المجتمع تعكس ضعف التربية و النشآةالسليمة ؟ نعم ولكن هذا شأن آخر يجب أن نواجهه بالتربية الأسرية القويمة المؤسسة على العقيدة وتعاليم الدين الصحيح، فمثلا النشأة على العبادات تقوى النفس وتكبت جماح الغرائز، وإذا ما تأسس الإنسان ونشأ فى بيئة صالحة سينعكس ذلك على سلوك الفرد ولن نجد تحرشا أو نميمة ولا فسقا ولا فجورا، ولذلك نبهنا النبى صلى الله عليه وسلم، إلى خطوة إطلاق الجوارح وعدم تهذيبها فى فترة الصيام بل وتأثير ذلك على فريضة الصوم وقبولها عند رب العالمين، حيث قال فى الحديث الذى أخرجه الإمام البخارى فى صحيحه «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». وماذا يعنى هذا الحديث تفصيلا ؟ المعنى واضحفى هذا الحديث كما قال المهلب: «فيه دليل أن حكم الصيام هو الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقص صيامه وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه، وقال غيره: ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا لم يدع قول الزور، وإنما معناه التحذير من قول الزور». ولكن هناك من يمسك فقط عن الطعام والشراب ويطلق لنفسه العنان ويفسد المجتمع؟ فى الحديث الصحيح الذى رَوَاهُ الإمام الدَّارمِيّ قال النبى -صلى الله عليه وسلم-«كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ من قِيَامه إِلَّا السهر» وقَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَنِبًا عَنِ الْفَوَاحِشِ مِنَ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَنَاهِى فَلَا حَاصِلَ لَهُ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَإِنْ سَقَطَ الْقَضَاءُ، ومما سبق يظهر جلياً الارتباط الوثيق بين الصيام وتهذيب جوارح الإنسان، لأن الإمساك عن اللغو والكذب والبهتان والغش وسائر الأخلاق الرديئة يظهر أثره فى المجتمع من خلال سمو أخلاق من فيه، والتعالى عن الرذائل وسفاسف الأمور، فيفشو فى تلك المجتمعات الود والمحبة والبذل والعطاء والإيثار والهمة والصدق والإخلاص. وكيف يستفيد الإنسان من صومه فى القدرة على الصبر ؟ الغالب فى الأمر أن المسلم الذى لا يستفيد من صيامه القائم على تعاليم الدين الحنيف فقد خسر خسرانا عظيما، فثمرات عبادة الصيام لمن أقامها حق قيامها هى الفوز بالثواب واستحقاقأن يكون ممن قال الله فيهم: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وهذا عام فى جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أى بغير حد ولا عد ولا مقدار. وبماذا تنصح المسلم حتى يكون صيامه على الأوجه الأكمل؟ الصيام عبادة وركن من أركان الإسلام الخمسة وفرضه له فضائل كثيرة صحيا وروحانيا، فمن ناحية الصحة فهو راحة للبدن والمعدة ويعيد توازن أجهزة الجسم وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام صوموا تصحو، وهو لا ينطق عن الهوى، والصوم يهذب النفس ويكبح الجوارح وعلينا جميعا أن ننتهز هذه الفرصة ونصفح ونعفو ونتسامح ونصلح بين المتخاصمين كما علينا أن نحرص على صلة الرحم والإكثار من فعل الخير والعطف على المحتاجين . أما عن سلوك الصائم فى المنزل والشارع والعمل فعليه أن يلتزم بتعاليم الدين، وكما قلنا على المسلم أن يؤدى الفرائض دون نقصان وأن يواظب على الصلاة وتلاوة القرآن وأن يصل الرحم ويكون بارا بوالديه مطيعا لهما إلا فى معصية الله، وفى الشارع عليه أن يغض بصره ويكف لسانه عن الأذى، أما فى العمل فعلى كل مسلم أن يؤدى عمله بضمير وأن يخلص العمل وعليه ألا يتخذ من شهر الصوم ذريعة للكسل أو التهاون، فالصائم الحق هو من يلتزم بتعاليم الدين فى كل وقت من أوقات العام.