ينتظر المشاهد المصرى والعربى كل عام الأعمال الرمضانية المصرية، كما يتسابق القائمون على صناعة الدراما طول العام؛ بداية من اختيار النجوم والموضوع والإخراج وأماكن التصوير ، للفوز فى أكبر ماراثون على القنوات الفضائية والأرضية، وتأتى اللحظة الحاسمة عندما يصبح المشاهد هو الحكم. وعلى الرغم من عدد الأعمال الدرامية، التى لا تقل عن خمسة وعشرين عملا، فإننا فى كل ماراثون لا نخرج منه إلا بأعمال قليلة جدا، لا تتجاوز أصابع اليد، أما فى هذا الموسم، ومع غياب غالبية كبار النجوم، فحدث ولا حرج، ربما يكون هناك عمل أو اثنان يمكننا القول بأنه مكتمل الأركان، من حيث الموضوع واختيار أبطاله والرؤية الإخراجية، أما الأعمال الأخرى فنشعر وكأنها وجبة وضعت على مائدة الأعمال الرمضانية لملء فراغ أو كما يطلق عليها فى مطبخ صنايعية الدراما «سبوبة». ويعتبر مسلسل «حكايتي» الحصان الرابح فى هذا الماراثون، بداية من الموضوع الذى يؤكد أن المرأة قادرة على التحدى من خلال قصة فتاة لم تجبرها الظروف رغم التحديات المحيطة بها على الانزلاق فى أخطاء عائلتها، وموروث القتل والانتقام، فاختارت طريقا مختلفا، ولم تقدم أى تنازلات لتحقيق هدفها، بل ازدات قوة بذكائها، واعتمدت على تعليمها،وحرصها على العمل الشريف، وفى كل أزمة كانت تلجأ إلى ربها الذى لم يخذلها ... فكان العمل لمؤلفه محمد عبد المعطى بمثابة رسالة لكل امرأة أو فتاة بتقديم نموذج لم يعتمد على الثروة أو المحسوبية، بل على العكس العمل والاجتهاد والصبر هو مقومات النجاح وتحقيق الحلم، واختار المخرج أحمد سمير فرج الإسكندرية مكانا لرمز للحياة والروح والثقافة مجتمعة معا، وهو أفضل مكان يعبر عن فكرة المسلسل، وهو البحث عن الحياة والأمل، ولم يصور خارج مصر مؤكدا فى رسالة أخرى أن مصر بلد الحرية والعطاء والأمل والجمال فى كل صوره الإنسانية لمن أراد ولمن يجتهد لتحقيق هدفه وحلمه، والأهم من ذلك لم نرى مشهدًا أو حوارًا خارجًا عن تقاليدنا وعاداتنا أو ألفاظًا نابية فتستطيع متابعته مع الأسرة. أما أبطال العمل فقد تم اختيارهم بدقة، بل اكتشافهم مرة أخري، فكانت البطلة ياسمين صبرى فى أول بطولة مطلقة لها تستحقها بأدائها التلقائى وموهبتها الصادقة والبساطة غير معتمدة على جمالها أو الأناقة بل العكس تماما فجعلتنا نصدقها، ومن أهم الأبطال التى كانت مفاجأة هى النجمة وفاء عامر، لقد تفوقت على نفسها بنضجها الفنى فى شخصية مركبة تتناقض فى المشهد الواحد بتعبيرات وجهها فقط، ونظرات عينيها، دون حوار وهو قمة التقمص، أما الفنان أحمد صلاح حسنى فقد اعتمد بهذا المسلسل شهادة ميلاده ليخرج من عباء نجومية الرياضة، وكضيف شرف فى أعماله السابقة، إلى ممثل يستحق أن يكتب اسمه فى قائمة أبناء جيله فى أكبر ماراثون، بل كان الرابح بأدائه السهل الممتنع فأقنعنا. كل التحية لهذا العمل الذى انطلق من الإسكندرية بلد السحر والجمال، ليسحرنا ويأخذنا من قبح الكثير من الأعمال غير المبررة فى أحداثها، والمستفزة فى حوارات وسلوكيات لا تناسب ما نعيشه من مرحلة مهمة تستوجب أن نعيد النظر فيما يليق بمكانة مصر ويعكس ثقافتها بصدق. «حكايتى» .. بداية صحيحة وقوية للأعمال الدرامية على طريق الأمل.