كنز الوعى والإدراك لا يملكه إلا قلة تدرك قيمة المعرفة والثقافة.. ولا أنسى أبدًا ما قاله توفيق الحكيم ذات مرة.. «أرجو من التاريخ! ألا يبرئ شخصًا مثلى قد أعمته العاطفة عن الرؤية ففقد الوعى بما يحدث حوله»، أو ما قاله على بن أبى طالب رضى الله عنه: «ميدانكم نفوسكم فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن خذلتم فيها، كنتم على غيرها أعجز، فجربوا معها الكفاح أولًا».. ومن هنا أتحسر على ترك الإعلام فريسة فى يد أصحاب العقول الجانحة عن الحق والأصول وترك الريادة فى التوجيه والتعليم وتربية أجيال فى يد عقول سطحية لا تطرب إلا لدقات الطبول وهز الوسط وبذاءة اللسان.. أليس كذلك أصبحت معظم مسلسلاتنا وبرامجنا.. أغانى تطفش الرقى والقيم.. وصخب مزمار وطبلة وهز وسط يأنف منها العاقل ويعجب بها المسطول؟!! ولفت نظرى عنوان بالأهرام «كارت أصفر» لمخالفات الدراما الرمضانية.. حيث رصد المجلس الأعلى للإعلام مجموعة من المخالفات فى عدد من المسلسلات والبرامج التى أذيعت.. ووجه تحذيرًا إلى منتجى هذه الأعمال من الاستمرار فى هذا النسق!! وأقول لا يكفى التحذير فهو بمثابة تحذير للقبح ليهدأ ثم يستمر فى إفساد المجتمع يومًا وراء يوم وسنة بعد سنة.. إنها حرية القبح وتوأمها الفوضى الأخلاقية.. والعدل أن مصر ترفع كارتًا أحمر وتنسف كل تلك الموبقات التى أثرت على النشء وعلى المجتمع كله.. والجرائم المؤسفة التى زحفت على بلادى نتيجة طبيعية للتسيب الأخلاقى وتخاذل تطبيق القانون.. وآخر تلك الجرائم المنادى الذى قتل السيدة التى كانت تعطف عليه لشهامته فى ركن سيارتها وحفظ مكان لها فى الشارع.. إذ إنه بواب أيضًا للعمارة التى تلاصق عمارتها!. عمرها ثلاثون وهو ثلاثة وعشرين عامًا وقفز فى ذهنه فيلم «البيه البواب» وذهب إلى شقتها وحاول التحرش بها واغتصابها.. لعل وعسى تذوب الفوارق وينعم بالقفز إلى القمة.. ولكن صراخها ومقاومتها جعله مجرمًا وقاتلًا وقتلها.. وهكذا هناك كثير من الأفلام والمسلسلات تغرى بالإفك والإجرام والانحراف.. عادي.. عادى مع أن المضمون غير معقول؟!! هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نرى برامج فيها العجب.. مذيعة تستضيف الشباب اللى كل شغلته وموهبته أنه يحادث شبابًا فى التليفون ويعاكسهم ويغير صوته بصوت أنثى ناعم ساحر.. وهاتك يا مقالب وضحك وسخافة وهرى بين إعجاب المذيعة وانبهارها بالتفاهة والسطحية والكذب!. هالنى أيضًا جملة فى فيلم أنا حرة لإحسان عبدالقدوس.. إذ الخاطبة تقول للعروسة.. عندى عريس ليكى ممتاز وأحسن حاجة إن «أمه ميتة»؟!! يعنى ترسيخ فكرة الحماة المرعبة فى القلوب المحبة فتكتئب الحياة.. مع أن الطبيعى أن الحماة هى أم والأم لا تسعى إلا إلى استقرار حياة الأبناء وسعادتهم.. والآن فى زمن «الهشك بشك» توارى الانتماء للأسرة.. وتوحشت المصالح الشخصية وتطفلت البذاءة والركاكة والسطحية على البيوت الآمنة وبثت سموم رداءة أفكارها.. ورأينا من يقلد هذا الممثل الفذ فى طريقة ملابسه وعنف تواصله مع الآخر بالبلطجة؟!! حتى الرياضة الهرى شغال بين هذا الأبيض والأحمر والتربص عيونه تشع نارًا ودمارًا بين جمهور الناديين مع أن الرياضة أخلاق ومتعة حولوها إلى أفلام مرعبة!! والأدهى أن المستوى الكروى فى الحضيض أساسًا.. رفقًا بأم الدنيا يا أهل مصر الكرام.. نحن أهل حضارة وتاريخ ورقى وعلم.. مصر علمت العالم.