خلافا لشعار ارفع راسك فوق انت مصري واستلهاما للثورة المصرية جاءت الاحتجاجات الأخيرة في إسرائيل وبريطانيا ضد مظالم اجتماعية متزايدة وظروف اقتصادية ضاغطة. ربما تدفع الأمور الي حد الانفجار وهو آخر ما كان ممكنا تصوره في هذه البلدان التي ادعت ولا تزال انها واحة الحرية والديمقراطية والرفاهية الاجتماعية. ولم يكن غريبا ان يسخر المصريون من هذه الاحتجاجات لتظهر علي مواقع تويتر وفيسبوك عناوين حملات تحمل شعار'' نزل راسك تحت انت إسرائيلي'' و'' آسفين يا نتنياهو'' و''علي جهنم رايحين صهاينة بالملايين'' و'' أنباء عن هروب نتنياهو الي جدة'' و'' الشعب يريد اسقاط نتنياهو''.. وهكذا بالغ المصريون في السخرية مما وصف بالثورة في اسرائيل, حيث لا مظالم اجتماعية تقريبا بين الإسرائيليين اذا قورن الوضع بكل البلدان العربية. ويبدو ان اهم ما يميز تلك الاحتجاجات المستمرة في اسرائيل منذ اكثر من ثلاثة اسابيع انها احدثت نوعا من الخلطة في الخطاب السياسي في إسرائيل ونقلت الاهتمام والاجندة العامة من الخطاب السياسي الامني الي الخطاب الاقتصادي الاجتماعي. وفي هذا السياق تقول صحيفة هاآرتس الاسرائيلية ان التهديد الدائم بالاخطار الخارجية والامنية جعل الإسرائيليين يرضون لفترات طويلة بحياتهم وظروفهم المعيشية الامر الذي ادي الي اتساع الفوارق الاجتماعية وغلاء الاسعار التي وصلت الي مستويات غير مسبوقة. وبخروج الشباب للاحتجاج في الشارع و اعلاء صوت الاستياء ازاء السياسات الحالية تكون اسرائيل قد دخلت مرحلة جديدة وصفتها الصحيفة بانها ثورة حقيقية يسعي من خلالها الشباب الي اخذ زمام الامور بايديهم وارسال رسالة واضحة لحكومة نتنياهو ان البعد الاجتماعي في الحكم وممارسة السياسة لا تقل عن البعد الامني. الرأسمالية المتوحشة ولا يمكن فصل ما يجري في اسرائيل عما يمكن تسميته بالرأسمالية العالمية المتوحشة والتي تغولت علي حساب فقراء العالم ووسعت نطاق الظلم الاجتماعي حتي في اكثر البلدان ديمقراطية بالمفهوم الغربي ليبقي مستوي المعيشة وتلبية الحاجات الضرورية للانسان المؤشر الرئيسي لمدي نجاح تلك التجربة او غيرها. ولان إسرائيل جزء من هذا التوحش الرأسمالي كان نتنياهو حتي وقت قريب يعتبر نفسه قائدا لما يسميه الثورة الافتصادية في إسرائيل عبر برنامج خصخصة تبناه منذ ان كان وزيرا للمالية في الفترة من2003 حتي عام2005... فاذا هذه الثورة الاقتصادية تتحول في خلال اعوام قليلة الي ثورة اجتماعية واحتجاجات غير مسبوقة تؤشر علي تفاقم الشعور بالظلم الاجتماعي والتمايز الطبقي مع موجة عاتية من غلاء الاسعار وارتفاع تكاليف المعيشة. وطبقا لمؤشرات نشرتها دائرة الاحصاء المركزية في إسرائيل فان مستوي المعيشة هناك لم يرتفع خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالارتفاع بنسبة3.5% خلال الربع الذي سبقه. كما ارتفعت نسبة امتلاك السيارات والادوات الكهربائية خلال الربع الحالي بنسبة2% فقط مقارنة بارتفاعها بنسبة12% خلال الربع الاول من العام الجاري. وتضاف هذه المعطيات الي معطيات سابقة نشرت حول تباطؤ النمو الاقتصادي. وتظهر المؤشرات ايضا ان الاستثمارات في المرافق الاقتصادية انخفضت بنسبة4.3% مقابل ارتفاع بنسبة6.4% خلال الربع الاول من العام الجاري. وحدث خلال الربع الثاني تباطؤ حاد في نسبة الصادرات الإسرائيلية. ولم يكن غريبا ان يرفع متظاهرون إسرائيليون شعار مصر هنا في اشارة الي ان مصر بعد ثورة25 يناير تختلف كثيرا وان اول التأثيرات السلبية تعثر ضخ الغاز المصري ومن ثم ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة والكهرباء الامر يقتضي اعادة النظر في سلم الاولويات وهو ما وعد به نتنياهو قائلا انني أدرك ان التغيير في رؤيتي امر حتمي وردا علي ذلك رأي الوزير دان مريدور من حزب الليكود انه من الضروري كسر الاحتكارات في المرافق الاقتصادية من اجل تشجيع المنافسة وتخفيض الاسعار. واعتبر انه يمكن تصحيح مظاهر الاجحاف وتقليص الفجوات الاجتماعية بالامتناع عن اتخاذ خطوات قد تؤدي الي انهيار الاقتصاد الأسرائيلي. ورغم الليبرالية المعلنة والاجهزة الرقابية وتعددها انتشر الفساد في إسرائيل بصورة لافتة فخلال عام2011 مثل اكثر من14 الف مسئول إسرائيلي امام القضاء بتهم تتعلق بالفساد المالي. هنا لندن من جهة ثانية يتابع البعض ما يجري في لندن وعدد من المدن البريطانية عقب مقتل شاب اسود علي ايدي قوات الشرطة علي انه جزء من ربيع الاحتجاجات والثورات العربية وهو ما رفضته اوساط اعلامية بريطانية من بينها صحيفة الجارديان التي رأت ان الامر مختلف تماما. والحقيقة ان الظروف المعيشية التي حركت الاحتجاجات في مصر وتونس اضافة لعوامل اخري هي نفسها التي اشعلت الوضع في إسرائيل ودفعت بمئات الالاف للشوارع طلبا للعدالة الاجتماعية وتنديدا بتوحش الرأسمالية. وعند قراءة تفاصيل المشهد في بريطانيا لا يمكن تجاهل برامج التقشف التي تطبقها الحكومة وقلة الوظائف بالاضاف الي حالة من الاحتقان بين ابناء فئات من المهاجرين في بريطانيا ساهمت في تفاقم الوضع. وبلغة الارقام وحسب احصاءات رسمية بريطانية فان ديون الاسر هناك تفاقمت كما افادت36% من الاسر بأن وضعها المالي قد تدهور وتتوقع نصف تلك الأسر أن تتفاقم ديونها العام المقبل.