جاء حريق كاتدرائية نوتردام فى باريس ليمثل صدمة كبيرة ليس فقط بالنسبة للفرنسيين وإنما لكل شعوب العالم، ليس فقط لتاريخ الكاتدرائية العريق الذى يمتد لأكثر من 850 عامًا، ولا للكم الهائل من القطع الفنية الفريدة من نوعها التى كانت تضمها ويقبل على زيارتها السائحون من جميع أنحاء العالم، ولكن أيضا لارتباطها فى الأذهان برواية الكاتب الفرنسى فيكتور هوجو الإنسانية الشهيرة «أحدب نوتردام» التى انتقلت لشاشة السينما وأعيد تقديمها أكثر من مرة على مدار تاريخ السينما، وقدمتها أيضًا شركة ديزنى بالرسوم المتحركة، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وأصبح من أهم الأفلام التى يعشقها الأطفال فى جميع أنحاء العالم. نشرت رواية فيكتور هوجو فى عام 1831، ودار جزء كبير من أحداثها داخل كاتدرائية نوتردام فى أواخر العصور الوسطى عن الأحدب كوازيمودو قارع الأجراس الذى قام بتربيته القس «الدوق كلود فرولو» ويمنعه من الظهور أمام الناس بسبب مظهره القبيح ويقنعه بأن الناس أشرار وسيعاملونه بقسوة بسبب مظهره، لكن كوازيمودو يخرج ويلتقى الغجرية الجميلة أزميرالدا ويقع فى حبها للحد الذى يدفعه للتضحية بحياته أكثر من مرة لإنقاذها، ويضطر فى النهاية للوقوف فى وجه «فرولو» نفسه من أجلها، فهى الوحيدة التى أظهرت تجاهه الحنان والعطف الذى يعبر عن الجمال الإنسانى الداخلى الذى ظل محرومًا منه طوال سنوات عمره، واستخدم هوجو هذه الشخصيات للتعبير عن فكرة احتقار المجتمع للضعيف واستغلال أصحاب السلطة للمحرومين واستخدام القوة والعنف لفرض الخوف والقهر. وقدمت السينما الفرنسية أول اقتباس للرواية فى فيلم قصير صامت عام 1905 بعنوان «أزميرالدا»، بينما قدمت السينما الأمريكية أول فيلم مقتبس عن رواية «أحدب نوتردام» فى فيلم صامت طويل حمل اسم الرواية فى عام 1923 من بطولة لون شانى وباتسى روث ميلر، ونورمان كيرى، وإخراج والاس ورسلى، ثم أعيد تقديمه مرة أخرى بنسخة ناطقة فى عام 1939 إخراج وليام ديترل، وبطولة تشارلز لوتن، ومورين أوهارا وسيدريك هاردويك. وتعتبر النسخة الأشهر فى كلاسيكيات السينما الأمريكية من «أحدب نوتردام» التى قامت ببطولتها النجمة جينا لولو بريجيدا أمام أنطونى كوين وأخرجها جان ديلانوى، حيث كانت جينا تجسد للجمال الغجرى الذى وصفه هوجو فى روايته. وفى الثمانينيات جسد النجم الإنجليزى الكبير أنطونى هوبكنز شخصية كوازيمودو فى الفيلم التليفزيونى الذى عرض عام 1982 من إخراج مايكل تكنر وشاركته البطولة ليزلى آن دون وديرك جاكوبى وحصل عنه على ترشيح لجائزة إيمى لأفضل ممثل. وفى فترة التسعينيات تم إنتاج نسختين من هذه القصة، الأولى هى فيلم التحريك الشهير لشركة والت ديزنى فى عام 1996 إخراج جارى تروسدال، وكيرك وايس، وقام بأداء الأصوات فيه كل من ديمى مور، توم هولسي، وتونى جاي، ورشح لجائزة الأوسكار أفضل موسيقى وحاز على ثمانى جوائز فى مهرجانات مختلفة بأنحاء العالم وحقق نجاحًا كبيرًا وتعدت إيراداته العالمية 325 مليون دولار أمريكي. بينما كانت النسخة الثانية فيلمًا تليفزيونيًا فى عام 1997 بعنوان «الأحدب» من بطولة النجمة الجميلة سلمى حايك مع ريتشارد هاريس، وماندى باتنكين وإخراج بيتر ميداك، ورشح الفيلم لأربع جوائز إيمى، وبعد صدمة الحريق الذى تعرضت له الكاتدرائية أعلن زوج سلمى حايك الملياردير الفرنسى فرانسوا هنرى بينو، أمس، تبرعه ب100 مليون يورو لإعادة بناء الكاتدرائية نوتردام، والمعروف عنه أنه رئيس مجلس إدارة مجموعة كيرينج التى تملك العديد من العلامات التجارية الفاخرة مثل «جوتشى» و«إيف سان لوران»، وستدفع المبلغ شركة أرتيميس الاستثمارية التى تملكها عائلته. وفى عام 1998 تم إنتاج نسخة موسيقية فرنسية من قصة أحدب نوتردام بعنوان «نوتردام دو باريس» لكنها لم تحظَ بشهرة كبيرة، وقام ببطولتها هيلين سيجارا، ودانييل لافوى، وبرونو بيليتييه وإخراج جيليز أمادو. وبعيدًا عن «الأحدب» ظهرت كاتدرائية نوتردام فى العديد من الأفلام الأخرى التى كان جزء من أحداثها يدور فى باريس ومنها «An American In Paris» أو «أمريكى فى باريس» عام 1951 وفيلم «إيميلي» عام 2001 وفيلم «Ratatouille» عام 2007، ثم فيلم «Midnight In Paris» أو «منتصف الليل فى باريس» عام 2011 ، و«الجميلة والوحش» عام 2017. بينما استعاد العديد من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى بعد الحريق واحدًا من المشاهد المهمة فى الفيلم الشهير «Before Sunset» أو «بعد الغروب» إنتاج عام 2004 للمخرج ريتشارد لينكليتر، الذى تنبأت فيه بطلة الفيلم جولى ديلبى أثناء حوارها مع البطل إيثان هوك باختفاء النوتردام فى أحد الأيام، وكانا يقفان فى أحد الشوارع القريبة من الكاتدرائية التى يمكن أن ترى فيها جانبًا منها حيث تقول له: «عندما تنظر إلى النوتردام عليك أن تفكر أنها ستختفى فى أحد الأيام» وكانت هذه الجملة تعليقًا على القصة التى كان يرويها لها هوك عن أن أحد الجنود الألمان فى الجيش النازى كان مكلفًا بتفجير الكاتدرائية أثناء انسحاب الجيش النازى من باريس لكنه لم يجد فى نفسه القدرة للقيام بهذه المهمة رهبة من القيمة الكبيرة التى تمثلها الكاتدرائية.