البلادة صفة تُحَجِّمُ من تقدم الإنسان ورقيه.. وعامل من عوامل تخلف الشعوب وتأخرها، الإنسان البليد نتاج بيئة مرتبكة سلوكيًا بعيدًا عن عامل الفقر أو الغنى، قد يولد الإنسان فقيرًا ولكن منحه الله أسرة لديها وعى بفن الحياة وسلاسة التأقلم مع قسوتها بالاستعداد الجيد لها ومواجهتها بوعى.. وكذلك الدول.. نجد بلادًا متقدمة مرت بظروف قاهرة ولكن إرادة ووعى شعوبها أنقذتها من الدوران فى فلك فقر الفكر أو فكر الفقر.. كما يقول يوسف إدريس رحمة الله عليه! شعوب بقوة إرادة الوعى أدارت بلادها بضمير وطنى وعمل جاد شاق بمنتهى التركيز وقوة الانتماء. ألم يكتف الفرد الإنجليزى ببيضة فى الأسبوع بعد الحرب العالمية وندرة الموارد.. دمار بلادهم لم يقهر عزيمتهم وقوة تحملهم.. أدمنوا العمل دون تذمر.. تجاهلوا مصالحهم الخاصة لأن هدفهم إنقاذ وطنهم ليخرج من شرنقة الإنعاش إلى قمة الانتعاش والتقدم. دول مثل إنجلترا واليابان وألمانيا وغيرها لم يتم تدليلها بواسطة حكامها ولم يهمل أصحاب الرأى والفكر توجيهها بالكلمة الصادقة وجرأة الإصلاح بالتحليل والمواجهة بلا مراوغة للحق ولا مجاملات لكبار القوم. ? لفت نظرى مقالا لعائشة عبدالغفار ب «الأهرام».. عنوانه هل ينقذ المثقفون «أوروبا»؟ وشعرت بالغيرة على وطنى وعالمنا العربى.. لماذا؟! تقول عائشة عبد الغفار: ارتفعت أخيرًا أصوات العظماء من رجال الثقافة والفكر السياسى للمطالبة بدفع المجتمع الأوروبى نحو مساندة الاتحاد الأوروبى بهدف معالجة الاضطرابات والتيارات الشعبوية ومواجهة الخطر الداهم الذى يهدد القارة العجوز.. وقام كتاب ومفكرون وشخصيات عامة من العالم بتوقيع بيان يحذر من أن النيران سوف تبتلع البيت الأوروبى، كما أن إرهاصات البعد القومى المتشدد واليمين المتطرف قد يدمران القارة العجوز.. والحقيقة أنا أؤيد هذا التوجه الإيجابى لدفع الخطر عن أوروبا بين الفكر المستنير وعدم تجاهل الخطر باللامبالاة والأنامالية التى تزيد من اشتعال المشكلات لعدم جدية مواجهتها منذ البداية بقوة العقل والفكر. وهنا لا بد من مسح دموع الخجل على نخبة مصر التى انحازت لمصالحها الشخصية ولم تنحز للوطن ومصالحه.. لم تتحرك وتواجه تطرفًا بدأ يطل على سماء أم الدنيا منذ السبعينيات إلا على استحياء وكان ممكنًا بقوة الفكر وإلحاح الكلمة الصادقة والمسلسل والميكروفون وأد الأفكار البالية المتخلفة من الانتشار التوحش.. وآه لو من زمااااان انتفض كل أهل القلم والفن للتصدى لظلام وظلم الإرهاب الأسود ممن يشهد لهم بكفاءة الفكر وقوة التأثير مثل توفيق الحكيم وطه حسين وبهاء الدين ونجيب محفوظ.. مفكرون لم يكتفوا بالثرثرة فوق النيل.. إنما حاولوا أن يعيدوا الروح لوعى مصر.. ولم يقولوا «أنا ما لى.. ولا أبالى» بل حاولوا تعديل أفكار مائلة عن الحق بفكر وأقلام وطنية تنحاز للوطن.. حاولوا همسًا!! الآن أرى شعار«أنا ما لى.. ولا أبالى» أكثر انتشارًا فى المجال الإعلامى.. وأرى مذيعى البرامج يركزون على قضايا هامشية.. وكثير من أصحاب القلم والفكر يتمسكون بالمكان وليس بالمكانة.. والله الكلمة لها تأثير فعال فى تحسين أداء الشعوب وازدياد وعيها بما تملك من إمكانات مادية وبشرية.. أين البرامج الهادفة؟ أين المقالات التى تحلل وتشرح مشكلات وتقدم حلولًا بالبحث والمعرفة؟ لماذا لم يعالج أهل الفكر تدنى سلوكيات وطغيان موبقات وانتشار جرائم؟ لماذا يتغاضى الإعلام عن انسحاب قيمنا وسلوكيات قيمنا المتفردة.. وينشغل بقضايا وهمية؟ لماذا لا يهتم بالتوعية الجادة الضرورية بمشكلة الزيادة السكانية وشرح توابعها الخطيرة على الوطن؟! وأن هناك فرقًا بين الزيادة فى العدد بلا تأهيل ولا تعليم وبين الزيادة بكفاءة وتميز وقدرات ذاتية تنفع الأمة والشخص ذاته.. إنه الإعلام بحواراته وبرامجه وتحليلاته وليس إعلامًا يبحث عن زيادة نسب المشاهدة.. تاركًا حقوق شعبه فى المعرفة والتوجيه لمن لا يرحم من إعلام خارجى كاره للوطن أو لجهل يزداد للغرق فى مزيد من التفاهات والأفلام الهابطة والأغانى النشاز بل وتلميعها! ? مثلما تقارب العالم الغربى معًا لمواجهة الإرهاب والتطرف اليمينى.. لابد أن ينتفض أهل العلم والفكر هنا لمحاربة التطرف الدينى ببرامج جاذبة وتنمية الوعى بالعقول برعاية أهل العلم وأهل الفن وتشتغل وزارتا الثقافة والشباب وهيئة الإعلام لإحاطة العقول بالجمال ومعاداة القبح وفضحه وتنمية المشاعر الوطنية.. بالمنطق والتاريخ والجغرافيا.. نحن أحلى بلاد الدنيا ولابد أن نهتم بالفخر ببلدنا ورعايتها ومحاربة كل أشكال القبح من عنف وجهل وسوء سلوك.. لا بد أن يبالى كل مثقف فى بلادى بمشكلاتها شرط الانحياز للوطن وليس لمصالحه الشخصية.. يقول الحق ويتولى توعية الناس.. ولا يهمس ليطير كلامه هباء.. أو يمسك العصا من المنتصف حتى يرضى جميع الأطراف عنه. الحق هو الفائز دائمًا ولا يخاصمه إلا فاسد.. مصر محتاجة لكل من يعمل ويهتم ويجتهد ويبالى.. وليس من رفعوا شعار «أنا ما لى.. ولا أبالى»!