هل كانت القمة المصرية الأمريكية، التى شهدها البيت الأبيض أمس، قمة عادية؟ وهل ما سبقها من استعدادات واهتمام أمريكى يجعلها قمة مباحثات، كتلك القمم التى يجرى عقدها فى واشنطن مع الرؤساء الذين يستضيفهم حاكم البيت الأبيض؟ الحقيقة التى لمستها هنا فى واشنطن، ولمسها كل المتابعين لتلك الزيارة التاريخية، التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للولايات المتحدة، هى أن القمة التى عقدت أمس كانت قمة استثنائية، فى إجراءاتها وطقوسها، وتفاصيل ما دار فيها من مباحثات، وما أحدثته من ردود فعل لمن يتابعونها. فمنذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى البيت الأبيض، قبل انطلاق مباحثات القمة مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب، كان الاستقبال، قبل التوقيع فى دفتر كبار الزوار بالبيت الأبيض، استقبالا حارًا يليق برئيس أكبر دولة عربية، تدرك الإدارة الأمريكية أنه يمضى ببلده وشعبه على طريق المستقبل الآمن، وتدرك كذلك أن الرجل، الذى قبل دعوة ترامب لزيارة البيت الأبيض، جاء مدعومًا بشعب وضع ثقته فى قيادته التى أنقذته من جماعة الإخوان الإرهابية، ورسمت له خارطة الطريق إلى المستقبل، بمشروعات قومية عملاقة، وخطة وطنية لبناء الإنسان المصرى، وقاطرة بناء وتنمية تجوب ربوع مصر كلها، لتزرع وتصنع وتبنى وتعمر. هى مصر القوية، التى استعد البيت الأبيض لاستقبال رئيسها، استعدادًا يليق بقائد دولة، جمعت بين البناء وقهر الأعداء، وسارت فى مسارين متوازيين متسارعين، لم يرهق أحدهما الآخر، ولم ينل منه، ففى الوقت الذى نفذت مصر برنامج الإصلاح الطموح، وعبرت عنق الزجاجة، وعززت من بنيتها التحتية، وأعلت سيادة القانون وحقوق الإنسان بمفهومهما الشامل، استطاعت أن تدحر الإرهاب، وتُفشل مخططه فى زعزعة أمن واستقرار الدولة المصرية، وتحمى بالتبعية المنطقة من خطره الداهم وتمدده. إن مصر «30 يونيو»، التى استعادت مكانتها وبقوة فى المشهد الدولى، كدولة فاعلة وذات ثقل وصانعة قرار، هى التى جعلت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يكتب عبر نافذته المفضلة بموقع التدوينات القصيرة «تويتر» أمس، عقب لقاء رئيس مصر: «إنه لشرف كبير أن أستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، فى البيت الأبيض»، وهى التى جعلت الرئيس الأمريكى أيضًا يفصح أن العلاقات الثنائية مع مصر تمر بأفضل حالاتها، كما كانت أيضًا وراء حرص ترامب على نقل شكر الولاياتالمتحدة ومؤسساتها كافة للرئيس، لجهوده فى نشر ثقافة التسامح الدينى وحرية العبادة، انطلاقًا من مصر. إننى لا أرى هذه القمة الاستثنائية فى الوقت والظروف، إلا تتويجًا للعلاقات الوطيدة الإستراتيجية، بين بلدين على قدر من الأهمية والدور الفاعل فى المشهد العالمى، الولاياتالمتحدة بصفتها أكبر دولة فى العالم، ومصر الكبيرة التى باتت اليوم تشكل مفتاح الاستقرار فى المنطقة، وركنا رئيسيًا من أركان ضمان التوازن والسلم، فى مشهد شرق أوسطى متأزم، يواجه أزمات وإرهابًا أسود، ومحاولات هدم الدولة الوطنية، وهدر مقدرات الشعوب، لصالح قوى لا تزال تحاول العبث بأمن واستقرار المنطقة، تنفيذالمخططات تآمرية تتصدى لها مصر بكل قوة وشجاعة. كانت قمة «السيسى ترامب»، أمس، تجسيدًا حيًا لنموذج العلاقات الإستراتيجية التى تقوم على المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، وتعتمد على تعزيز مجالات التعاون فى مكافحة الإرهاب، التى تمتلك مصر فيها باعًا طويلا، وتجربة ملهمة وفريدة، وفى المجال الاقتصادى، التى تمثل فيه مصر أرضًا خصبة، وسوقًا واعدة للاستثمارات والتبادل التجارى مع الولاياتالمتحدة، وكذلك التعاون العسكرى وغيره من المجالات التى تدشن لمرحلة أكثر نضجًا وتوازنًا بين الدولتين الكبيرتين. حملت قمة البيت الأبيض، أمس، رؤية مصر الواضحة تجاه التعامل مع أزمات المنطقة، تلك الرؤية التى تنال احترام وتقدير البيت الأبيض والرئيس الأمريكى دونالد ترامب.. لأنها تقوم على التسوية السلمية للأزمات، وضمان بقاء مؤسسات الدولة الوطنية، وحشد الجهود العالمية لإقرار السلام، والدفاع عن مقدرات الشعوب، والمواجهة الشاملة للإرهاب. وعودًا إلى ما بدأت، فإننى أؤكد أن مصر تمضى على الطريق الصحيح .. تدير ملفاتها بحرفية شديدة، وحكمة بالغة، واقتدار لسياسى محنك بقدر وقيمة الرئيس السيسى، الذى رفع مصر إلى المكانة التى تستحقها، وفرض هيبة مصر على جميع دوائر صنع القرار، وأثبت للجميع أن دولة تعرف إلى أين تسير، بشعب يثق فى قيادته الحكيمة، لن تنال إلا التقدير والاحترام، والحفاوة والحرص على تعزيز العلاقات معها .. ويبقى المزيد من التفاصيل لا تزال تبوح بها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى ولقاءاته فى واشنطن.