البداية كلمة.. ثم تصبح صورة يرسمها خيال المخرج ثم يجسدها الفنان, هكذا كانت وما يجب عليه أن تكون الدراما لكي يصبح للعمل معني وقيمة, متعة ورسالة; حيث كانت الأعمال هي التي تصنع النجوم وتقدم وليس العكس ولكن هناك ظاهرة تزداد عاما بعد عام في الأعمال الدرامية الرمضانية ضاربة عرض الحائط بكل المقاييس الإبداعية تسمي ب( الترزية) أو دراما التفصيل والتي تبدأ بتعاقد الجهة المنتجة مع نجم لضمان تسويق العمل ثم تأتي مرحلة التعاقد مع مخرج( طيع) محترف إخراجيا في( تلميع النجم) في توجيه العمل لخدمة هذا النجم ومن ثم انطلاق العمل الذي يأتي في المرحلة الثالثة( لتفصيل) عمل يستفيد من مفردات النجم سواء جمالية, أو أكشن أو كوميدية المهم والأهم أن تقدم عملا تفصيلا.. ويبدأ باختيار اسم العمل الذي يحدده أيضا النجم بالاتفاق مع الجهة المنتجة وبذلك أصبح العمل من بدايته حتي نهايته مرهون بالنجم والتسويق فهل يمكننا أن نقول أهلا بدراما التفصيل ولا عزاء للإبداع يؤكد المخرج محمد فاضل: للأسف بدأت في السنوات الأخيرة ظاهرة تفصيل الدراما بمعني كتابة قصة وسيناريو علي مقاس نجم بعينه تحدده الجهة المنتجة مسبقا ويكون لها أسبابها ودوافعها الإنتاجية بالدرجة الأولي, وهذا النوع من الكتابة ليست له علاقة بالإبداع علي الإطلاق, فالمهم هنا هو( الحدوتة) أن تكون أكثر إثارة وتشويق وتبرز النجم علي أنه قوة خارقة وهذا لا يمنع إضافة بعض الخطوط الجانبية من مشاهد مبتذلة تحت مسمي الحرية والإبداع. ويضيف فاضل: وأكبر دليل علي ظاهرة التفصيل هو تزامنها مع ورش الكتابة فأنا أتعجب من ورش الكتابة لأن من المعروف أن الإبداع ذاتي فلا يعقل أن يرسم فنان لوحة ويأتي آخر ويستكملها كذلك كتابة العمل الفني الذي يجب أن يعبر عن رؤية صاحبه أو كاتبه أما ما نراه الآن فهو قص ولزق وتعبئة أحداث متشابكة والمهم هو خروج العمل ببصمة النجم وتسويقه. ويري الكاتب بشير الديك قائلا: إن سبب ما وصلنا إليه من انهيار صناعة الدراما بوجه عام سببه هو غياب المنتج الذي كان قادرا علي تحقيق المعادلة والتوازن بالاكتفاء بالربح المعقول إلي جانب تقديم عمل فني يحسب لتاريخه ومشاركته الإيجابية في صناعة العمل الدرامي, أما الآن فنري أن اصحاب المال بدأوا ينظرون لصناعة الفن كعملية تجارية بحتة ومربحة بالدرجة الأولي ومن أهم مقومات عناصرها هو اسم النجم والذي في الغالب يكون اختياره مبنيا علي أسس قد تكون بعيدة تماما عن الفن فقد يكون استثمار لشائعة أثيرت حوله أو عمل قام به أو ماشابه ذلك المهم تحقيق الاستفادة من اسمه ثم تبدأ العملية بتوافر مخرج ثم الاتفاق علي( ورق) يحقق الهدف المنشود منه وبذلك يكون منج قابل للرواج وتحقيق الربح. أما المخرج مجدي أبوعميرة يقول: حدث ولا حرج لقد أصبحت ظاهرة تبدأ باختيار النجم لاسم العمل نفسه لأنه يدرك أن العمل تمت كتابته خصيصا له بل إن المنتج يرصد أكثر من نصف ميزانية العمل لأجر النجم أما الباقي فيشمل جميع مفردات العمل من إخراج وتأليف وديكورات واستوديوهات وخلافه وبالتالي أصبح العمل صورة وليس مضمونا. ويشير أبو عميرة: في البداية كلمة للكاتب ثم رؤية للمخرج ثم تنفيذ ولكن الآن الهرم مقلوب تماما وتحضرني الذاكرة حينما كنت مع الكاتب الرائع الراحل أسامة أنور عكاشة حينما كان يحارب معي في اللجنة برفض تلك العمال وهذه النوعية من الدراما وكان وقتها لايتجاوز عددين علي الأكثر وكان دائما يقول هذا ليست له علاقة لا بالفن ولا الدراما ولا الكتابة من الأصل ولكن( سبوبة) إن صح التعبير بلغة السوق التجارية وهذا وصلنا إليه. ويؤكد أبوعميرة: إن غياب الإنتاج الرسمي وأقصد به قلعة ماسبيرو وما تضم من جهات إنتاجية سواء قطاع إنتاج أو مدينة الإنتاج الإعلامي التي كان تواجدها وتقديمها لأعمال للمبدعين تخرج لنا أعمالا درامية علي أعلي مستوي تتوافر فيها جميع العناصر الفنية بداية من قصة ومخرج وممثلين بل يشارك في العمل أكثر من نجم وفي الوقت ذاته يتم تسويقها لجميع المحطات الفضائية مثل( الضوء الشارد) و(المال والبنون) و(ليالي الحلمية) و(الحقيقة والسراب) بل كانت هذه الأعمال هي التي تصنع النجوم وليست النجوم التي تصنعها ؟!. ومن هنا يمكننا أن نقول الصناعة الفنية في خطر وتحول العمل إلي تفصيل لمصلحة المنتج التجاري. أما الناقد كمال رمزي فيري: أن فكرة السيناريست( الترزي) موجودة من زمان ولكن بمفهوم وأسلوب مختلف بمعني علي سبيل المثال إن كان هناك عمل كوميدي تتم الاستعانة فيه ببعض المتخصصين في وضع الإفيهات الكوميدية وهكذا وكان أيضا يحق لكبار النجوم المشاركة في اختيار باقي فريق العمل ولكن ما يحدث الآن أمر بعيد تماما عن هذا المفهوم فالجهة الإنتاجية تبدأ باختيار نجم للعمل ثم تبحث عما يناسبه ويخدم توجهها وتضمن الربح, وهي صناعة مربحة ماديا أما فنيا فالأمر قد يتحقق حينما يكون الكاتب محترفا يستطيع أن يحقق المعادلة الصعبة بتقديم عمل تفصيل ويملي رسالة وهذا إحقاق للحق قلما يحدث لأن أغلبية كبار الكتاب يرفضون العمل بهذا الأسلوب والقليل منهم قد يقبل خوفا من اختفائه من الساحة الفنية. ويضيف الناقد كمال رمزي: إن ترزية الدراما صنعة ومهنة وهي موجودة في ورش الكتابة علي مستوي العالم وتحديدا هوليود ولكن لخدمة العمل الفني كله وليس للنجم بمعني أن الكاتب يقدم عملا بوليسيا أو كوميديا أو حتي أكشن, وهناك من هم متخصصون في الجانب الذي يطرحه الكاتب في قصته وتتم إضافة ما يدعم فكرته الأساسية فيصبح جزءا من العمل كله ولكن لا يغير من قصة الكاتب أو حتي رؤيته ولا يفرض وجهة نظر لما يطرح الكاتب نفسه. وفي النهاية يقول كمال رمزي: أتمني لتحقيق المعادلة بين ما يأمله المنتج وما نحلم بتحقيقه في صناعة الدراما أن يصبح( ترزي) الكتابة إذا لزم الأمر في الوقت ذاته كاتبا له رسالة ورؤية فيما يخدم مجتمعه وفي الوقت نفسه يقدم ما يناسب النجم الذي تقدمه الجهة الإنتاجية وهنا يكون الإبداع.