عاش سعد حياة متوسطة الحال قبل أن تضيق به الدنيا عقب إحالته إلي المعاش, فلم يعد ما يتقاضاه كافيا لتدبير احتياجات أسرته التي كانت قد تأقلمت علي مستوي معين من المعيشة, ما دفعه إلي البحث عن وسيلة أخري يكتسب من خلالها أجرا لعله يصنع له الفارق ويعيد إليه الاتزان مجددا داخل قريته الشهيرة بثراء أهلها في أسوان. لم تمر أيام قليلة علي بلوغ سعد سن الستين عاما, وبعد أن ودع زملاءه في العمل وتقاضي معاشه في الشهر الأول, جلس سعد يفكر في كيفية تدبير حاله وأحوال عائلته المكونة من5 أفراد, ومعظمهم يدرسون في مراحل التعليم المختلفة, فحاول طرق أبواب أصحاب الأعمال الخاصة والشركات للبحث عن وظيفة ولقمة عيش حلال تعينه علي مواجهة موجات الغلاء المستمرة دون جدوي, حتي تملكه اليأس تماما من الالتحاق بأي وظيفة, ليجد نفسه في ورطة أمام معاشه الشهري الصادم الذي لا يكاد يمثل ربع نسبة ما كان يتقاضاه في أثناء خدمته الوظيفية بإحدي الهيئات فعض علي أصابعه من الندم لأنه لم يحسب حساب هذا اليوم. ومع محاولاته المستمرة وفشله في الحصول علي فرصة عمل خاصة, لم يجد سعد سوي أن يفضي بما في قلبه لأحد أصدقائه شاكيا له همه الثقيل وعدم قدرته علي الوفاء باحتياجات أبنائه, خاصة أنه سبق له أن حصل علي قرض من أحد البنوك لا يزال يسدد في أقساطه, ولكن بدلا من أن ينصحه صديقه بتكرار المحاولة في الحلال, نصحه نصيحة شيطانية بخوض تجربة التجارة في المواد المخدرة, معددا له المكاسب الطائلة التي سوف يجنيها من خلالها, كحل للخروج من أزمته المالية التي يعانيها, الأمر الذي أدهشه وهو الذي ليس له تجارب سابقة في هذا المجال. تردد سعد كثيرا قبل الإقدام علي هذه الخطوة التي اعتبرها مغامرة غير محسوبة العواقب, وجلس وحيدا يستعيد سيناريو نصيحة صديقهوهو بين نارين, نار تنتظره كلما عاد إلي بيته ليلا مثقلا بالهموم, ونار أخري تلوح له في الأفق وكأنها الطريق إلي النجاة من ورطته, وبعد أسابيع من التفكير والتردد حسمت وساوس الشيطان الأمر عند سعد, وتدخل إبليس بقوة ليقنعه بشهوة المال وأن تجارته لن تنكشف علي الإطلاق, فهو وافد جديد ووجه غير مألوف عند رجال المباحث, ليرتضي سعد ويستسلم لنصيحة الشيطانمتوجها نحو صديقه الذي استقبله بالأحضان وهو يعرض عليه بدء رحلته مع البانجو علي اعتبار أنه المخدر الرائج بين الشباب والمدمنين في ساحرة الجنوب. بعد جلسات متعددة ضمت بعض محترفي الكيف, شرح له خبراء الإجرام أساليب التعامل في تجارة المخدرات ليستقر قرار سعد علي خوض التجربة, ومع أول كمية تسلمها وضع الوجه الجديد كل ما يملكه من مال في قبضة أحد التجار لاكتساب ثقته, وتكرر الأمر مرتين نجح خلالهما في ترويج حصته في زمن قياسي, مما دفعه للتفكير في التوسع بتجارته, خاصة وقد حقق من المكاسب ما جعله يقفز بسقف أحلامه إلي عنان السماء. ومع أحلامه التي لم تتوقف, لم يضع سعد في حساباته أن خبرته القليلة في هذا الوسط ستقوده إلي السقوط في قبضة رجال المباحث, فهذا العالم من المدمنين ومحترفي ترويج السموم البيضاء أسراره مكشوفة ولا تخفي عن الأجهزة الأمنية التي وصلت إلي مسامعها نشاط هذا الوافد الجديد, فوضعته تحت الرقابة والتحريات المشددة التي أكدت نشاطه وعزمه ترويج البانجو, حيث أخطر رجال المباحث اللواء إبراهيم مبارك مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن أسوان بكل المعلومات التي توصلوا إليها فوجه علي الفور إلي تقنين الإجراءات وضبطه متلبسا, وبالفعل وبعد أن تسلم سعد كمية من البانجو, وبعد أن تملكته الفرحة بتوزيع جزء كبير منها, فوجئ برجال الأمن وهم يلقون القبض عليه وبحوزته ما تبقي من الكمية التي وزنت بنحو نصف كيلو من المخدر.