بين الحين والآخر تتردد علي مسامع الكثيرين كلماته وهو في وداع عبد الناصر مذيعا خبر رحيله... يمكنك أن تسمع صوته وهو يقول فقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغلي الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال وكأنه يصف نفسه معه, فقد كان محمد أنور السادات هو الآخر أغلي وأشجع وأخلص الرجال. لا يمكن أن تمضي ذكري الاحتفال بمئوية ميلاد السادات دون احتفاء, فرجل الحرب والسلام يستحق هذا الاحتفال, خاصة أنه احتفال المئوية, ليس احتفاء بشخص واحد, بل هو احتفال بالانتصار الذي تجسد فيه, وتخليد لذكري حرب الرجال وتعزيز معاني الوطنية والمسئولية والانتماء خاصة أن كل هذه المعاني تظهر عند الشدائد. هذا الرجل الذي لم يتمكن حتي الغدر والدم من التشويش علي تاريخه أو شغل المساحة الأكبر من سيرته كما تخيل مرتكبو حادث اغتياله بل ظل شبحا يطارد جماعات الظلام ويخشونه حتي بعد رحيله. ورغم الرحيل المؤلم ظل اسم السادات راسخا في أذهان أعداء مصر قبل أصدقائها, مرتبطا دائما بنشوة الانتصار والعبارات القوية الرنانة والقرارات الجريئة والخطابات الأكثر جرأة, مغلفا بالدهاء السياسي ودرع الحماية, ظل رجل الحرب والسلام الذي خدع إسرائيل وراوغها وأجبرها علي الاستسلام وقبول شروط السلام. ويكفي أنه تحمل تبعات قرارات غاية في الصعوبة اتخذها وتحمل مسئولية ما يترتب عليها في سبيل تحقيق الأمن والسلام ليس فقط لمصر بل للمنطقة العربية بأكملها, لذلك تأتي مئوية ميلاده فرصة للتعبير عن كل المشاعر التي تحملها القلوب لهذا الرجل وتوصيل أمانته ورسالته التي ذكرها في خطاب ما بعد نصر أكتوبر عندما قال سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه وكيف حمل كل منا أمانته وأدي دوره. كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء, ذلك كله سوف يجيء وقته. ومئوية ميلاد السادات من أنسب الأوقات التي اختارتها الأهرام المسائي للاحتفال والتوثيق وتوصيل الأمانة وتأكيد رسائل الزعيم الراحل وتقدير تاريخه الحافل المشرف.