كنت أمشي لا أعرف وجهتي, يكاد الطريق يكون مسدودا أمامي, لا تتعدي رؤيتي قدماي, كثيرا ما تعثرت احداهما فتتكئ علي الأخري. أعاود الانتظام في سيري كأنني قطار وضع عنوة علي قضيبه. بينما كان كاهلي ينوء بما عليه من أحمال, احتك كتفي بشاب يمشي بجانبي, التفت إليه.. رأيته ممسكا بعصا طويلة لا يتوكأ عليها, بل يتخذها دليلا في طريقه, يلبس نظارة سوداء, أيقنت حينئذ أنه فاقد للبصر, بادرني قائلا: هل يمكنك مساعدتي لأتخطي الطريق؟ وافقت بكل ارتياح.. حاولت الإمساك بيده فأبي, تأبط يدي, كأنه هو من يرشدني, تجاذبنا أطراف الحديث, عرفت أنه يقصد محطة المترو ليقوم بزيارة أحد أصدقائه, نظرت إليه بتعجب كبير, كيف له أن يعرض نفسه للخطر دون الاكتراث بما حوله, نمت لمسامعنا إحدي الأغنيات في أثناء سيرنا, فوجدته يرددها بكل سعادة, زاد تعجبي وتساءلت: كيف لي بحمل ينوء به كاهلي, ويثقل همومي, وهذا الشاب يحتضن الحياة بكل ود وحب؟! رأي ذلك الشاب برغم فقده لبصره علامة التعجب في عيني, قال: أتتعجب من حياتي؟ زاد صمتي, قال: إنكم أيها المبصرون ترون الدنيا علي حقيقتها, بينما نحن نراها كما يحلو لنا, ولو خيرنا بين رؤيتها من عدمها لفضلنا العدم, لأن الخيال أجمل من الحقيقة. واتجه إلي بغيته تاركا الوجوم قد ملأ وجهي. سمير عبدالله