كانت إحدي أكثر التجارب إثراء لي في العام الماضي أن أتيحت لي فرصة التفاعل مع الشباب من جميع أنحاء العالم في منتدي شباب العالم الذي استضافته مصر بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر الماضي; فحينها تجدد شعوري بالأمل أننا نسلم الراية إلي جيل جديد واعد, وذلك عندما استمعت مباشرة إلي قصص الشباب من مختلف أنحاء العالم, ورؤيتهم للقضايا الدولية, وتصورهم الخاص للمستقبل, وأدركت أن كل شاب أو شابة لديه قصة مختلفة ليرويها, إلا أن وراء تلك الاختلافات الظاهرية توجد أرضية صلبة للأهداف والأحلام المشتركة; وفي الواقع فإن الآمال والقيم الإنسانية المشتركة تعزز من اعتقادي بأنه يمكننا أن نتخطي أي اختلافات, وأن نعمل معا من أجل بناء غد أفضل. وفي غضون الساعات القليلة المقبلة, سوف نجتمع مرة أخري مع أكثر من5000 شباب من قادة المستقبل من جميع أنحاء العالم, في الدورة الثانية من منتدي شباب العالم, والذي يعقد تحت رعاية الرئيس السيسي. وفي هذا العام, يجمع المنتدي بين قادة المستقبل وصانعي السياسات لتبادل الآراء والخبرات وتقديم التوصيات العملية في ثلاثة موضوعات رئيسية هي; السلام, والتنمية, والإبداع; وهي بلا شك مسائل مترابطة ببعضها البعض فكل منها تؤثر في الأخري. وعلي ضوء الإدراك الجيد لحجم التحديات التي يواجهها العالم في الوقت الراهن, ومنطقة الشرق الأوسط التي ليست بمنأي عنها, فإننا نسعي لاستخلاص كل ما هو جديد من سياسات وأفكار ومبادرات للتغلب علي تلك التحديات, حيث يمثل منتدي شباب العالم في مصر بالنسبة لنا فرصة جيدة للاستماع للأفكار التقدمية للشباب من أجل بناء مسار أفضل للمستقبل; وفي الواقع, فإن كل موضوع من الموضوعات المقرر طرحها خلال جلسات المنتدي يحمل عددا لا يحصي من القضايا الفرعية, ونحن نتطلع إلي التفاعل مع الشباب في تلك الجلسات, والتعرف علي المخرجات والتوصيات التي سيطرحها الشباب في كل المجالات, وكلي إيمان بأن هذا الجيل لديه قدرة كبيرة علي التغيير, فهو يمتلك من المعرفة والتكنولوجيا والابتكار ما يمكنه من بناء غد أفضل. ومن أجل بناء ذلك الغد, فإنه يقع علي عاتقنا توفير التواصل المباشر بين الشباب لتحفيزهم علي إيجاد مستقبل أفضل يتميز بتحقيق السلام والتنمية; فنحن نتطلع للوقت الذي يستطيع فيه أي شاب موهوب في مصر أن يبدع ويتوصل لفكرة جديدة بالتعاون مثلا مع باحث آخر في أوروبا, ثم تقوم إحدي الشابات, علي سبيل المثال, في إفريقيا بتنفيذ هذه الفكرة والدخول في شراكة مع أحد رواد الأعمال في آسيا, ولا شك أن هذا النوع من التعاون يعزز من مستويات التغيير الإيجابي القائم علي الابتكار, والذي بدوره لن يساعد فقط علي دعم ثقافة السلام بين شعوبنا, بل أيضا يعزز من تحقيق التنمية بشكل أكثر استدامة.. هذا ممكن وقابل للتحقيق.. فإذا تفاعل قادة المستقبل اليوم بإيجابية مع بعضهم البعض, فإنهم سيجدون طريقهم معا لتحقيق أهدافهم المشتركة في المستقبل. وإذا نظرنا للوضع في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا, ومصر في قلبها, فإنها تشهد أكبر عدد متنامي من الشباب. فعلي مدار السنوات القليلة الماضية, كانت أصواتهم تمثل القوة الدافعة الرئيسية للتغيير في العديد من بلدان المنطقة, وأصبح نداؤهم من أجل التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية يتردد في كل أرجاء العالم; ومن هنا, أيقنا جميعا أن تمكين الشباب وإطلاق إمكاناتهم الكامنة هو طريقنا للمضي نحو المستقبل. وفي مصر, يشكل الشباب نحو أكثر من60% من عدد السكان; وتضع الحكومة المصرية علي رأس أولوياتها الاستثمار في رأس المال البشري, وعلي وجه التحديد تمكين الشباب لقيادة مستقبل أكثر إشراقا; فعلي الصعيد الوطني, شرعت الرئاسة المصرية في تشكيل برنامج قيادي مصمم خصيصا لإثراء مهارات الشباب القيادية والسياسيةPLP, ويهدف البرنامج بالأساس لخلق كوادر مؤهلة ومستنيرة في جميع المجالات وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتغيير مجتمعاتهم وتشكيل مستقبل أفضل, كما أن الحكومة المصرية تتخذ كل السياسات والإجراءات من أجل ضمان مشاركة الشباب في جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فحاليا, نحو10% من أعضاء البرلمان لدينا هم دون سن الخامسة والثلاثين, كما أن هناك العديد من المبادرات لدعم تشغيل الشباب, وتوفير أدوات التمويل الملائمة ذات أسعار فائدة منخفضة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. إن الشباب المصري هم شركاؤنا الأساسيون في التغيير. وفي ذات السياق, جاءت رؤية مصر2030 لتضع تمكين الشباب كإحدي الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة, وتم اتخاذ عدد من التدابير لخلق البيئة المواتية لمشاركة الشباب في تخطيط وتنفيذ رؤية مصر للتنمية المستدامة, بالإضافة إلي ذلك, تبنت الحكومة مبادرة جديدة تسمي مبادرة الشباب للتنمية المستدامة, والتي تم تصميمها خصيصا للتفاعل علي نحو وثيق مع الشباب المصري من جميع المحافظات لفهم احتياجاتهم, وفتح قنوات اتصال جديدة ومبتكرة معهم, والهدف الذي تطمح الحكومة للوصول إليه من خلال تلك المبادرة هو وضع أفكار شبابنا موضع التنفيذ في الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأساسية الثلاث للتنمية المستدامة. وحيث أن الشباب هم شركاؤنا في التغيير, فنحن ندرك تماما أن أصواتهم يجب أن تسمع ليس فقط علي المستوي الوطني, بل أيضا علي المستويين الإقليمي والدولي. ولتحقيق ذلك, تولي الدبلوماسية المصرية اهتماما كبيرا لقضايا الشباب, وتحرص علي توصيل أصواتهم وآرائهم في مختلف المحافل الإقليمية والدولية, ولذا دفعت الرئاسة المصرية لمجموعة ال77 والصين لهذا العام بقضايا توظيف الشباب, وتأثيراتها المباشرة علي جهود التنمية, علي رأس جدول أعمال المجموعة.. وهذا هو أيضا ذات التوجه الذي نستهدفه خلال رئاستنا القادمة للاتحاد الإفريقي لعام.2019 نعلم أن هناك العديد من التحديات علي المستوي الدولي, وقضايا تتطلب التعامل معها في الوقت الحالي, فضلا عن عقبات متزايدة من المتوقع مواجهتها, إلا أننا نؤمن بأن ثروتنا من الشباب قادرة علي إيجاد الحلول لتلك التحديات, والإتيان بابتكارات من شأنها أن ترتقي بعالمنا نحو الأفضل, فإذا تم غرس ثقافة التمكين والتواصل في قلوب وعقول الأفراد في مجتمعاتنا, فإن ذلك بلا شك سيساعد الشباب حول العالم علي التفاعل الإيجابي والتعاون مع بعضهم البعض, بما يمكنهم من بناء عالم أكثر سلما وازدهارا.. وفي النهاية أقول للشباب, إن منتدي شباب العالم في مصر مفتوح أمامكم, تعالوا وشاركوا بصوتكم وأفكاركم.