مصر تطرح رؤيتها غدا أمام الأممالمتحدة لتحقيق التنمية المستدامة وإستراتيجية الشباب2030 وإصدار أول إعلان سياسي دولي لحفظ السلام اعتماد مدونة سلوك دولية للتصدي لخطر الإرهاب باستلهام التجربة المصرية بمبادئها في التعامل مع الظاهرة وآثارها المدمرة فيما تتجه أنظار العالم مترقبة القمة المصرية الأمريكية التي تعقد اليوم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس دونالد ترامب في خامس لقاء يجمع بينهما, في إطار الحرص المشترك علي تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن, وسعيا من جانب البلدين إلي مرحلة جديدة من علاقاتهما, بما يتوافق مع مكانتهما, وتأثيرهما علي الساحتين الدولية والإقليمية, وفي الوقت ذاته بما يتناسب مع ما تفرضه التحديات الراهنة بمتغيراتها الإقليمية والدولية, وضرورة التوصل إلي حلول سلمية, تحقق الأمن والاستقرار لدول المنطقة, ويضمن في الوقت ذاته, الحقوق المشروعة لهذه الدول في استقلال إرادتها, وتحقيق سيادتها علي أراضيها ومواردها, وعدم التدخل في شئونها. وخلال متابعتي لوقائع الزيارة وبرنامج الرئيس, فإنني أستطيع التأكيد أن قمة الرئيسين اليوم سوف تركز علي العديد من المحاور يأتي في صدارتها: أولا: القضية الفلسطينية; حيث ترتكز رؤية مصر علي ضرورة التوصل إلي تسوية سياسية شاملة وعادلة أساسها إنشاء دولة فلسطينية مستقلة, سعيا لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط, وتحقيق الأمن لشعوب المنطقة, ويتم ذلك وفق مقررات الشرعية الدولية. ثانيا: الأزمات التي تعانيها كل من سوريا وليبيا واليمن, والموقف المصري في التعامل مع هذه الأزمات قائم علي رفض أي تدخل خارجي في مواجهتها, وأن دور المجتمع الدولي والقوي المؤثرة في الأحداث الدولية والإقليمية مساعدة الأطراف التي بيدها الحل, وهم أصحاب المشكلة وليس أحد غيرهم, وموقف مصر ينطلق كذلك من أن الإطار العربي قادر علي التعامل مع هذه الأزمات, وعلي أي أطراف غير عربية أن تبتعد عن التدخل في هذه الشئون. ثالثا: أن دور مصر في مواجهة الإرهاب, وما تبذله من جهود, سيكون محورا رئيسيا في قمة السيسي ترامب, ومن هنا يمكن القول: إن الرئيس سيطرح ما تقوم به المؤسسات الدينية المصرية لتصحيح المفاهيم الخاطئة, عبر تصويب الخطاب الديني, وإجراء عمليات تنقية ممنهجة للأفكار المغلوطة كمحور مهم لمحاربة الفكر المتطرف, وهو منهج تعتمده مصر في إطار إستراتيجية تتكامل أركانها, وأبعادها, ومجالاتها, وركيزتها الأساسية ترسيخ مبادئ المواطنة والمساواة وقبول الآخر.. وأعتقد أن ما يطرحه الرئيس السيسي في هذا السياق, تشهد به الوقائع والمجريات, والجهود الملموسة نتائجها علي أرض الواقع في مصر, وما تحقق من استقرار وأمن يشهد به جميع المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية. وإذا كانت قمة الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب موضع ترقب دولي, فإنه في السياق ذاته, ووسط اهتمام عالمي يلقي الرئيس السيسي غدا أمام قادة دول العالم وممثليها في الدورة الثالثة والسبعين للأمم المتحدة بيان مصر, محددا رؤيتها, وموقف مصر تجاه القضايا الدولية والإقليمية, واضعا المجتمع الدولي أمام مسئولياته التاريخية في التعامل مع مختلف القضايا علي مستوياتها المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, وسبل تحقيق التنمية المستدامة, وإقرار الحقوق المشروعة للشعوب في دول المنطقة والعالم, وكيفية التصدي للإرهاب كظاهرة عالمية تستوجب تكاتف المجتمع الدولي بكل ما يملكه من إرادة وقوة للحد من مخاطره وآثاره المدمرة. وحسب برنامج الرئيس هنا في نيويورك, فإن هناك لقاءات متعددة سيعقدها الرئيس مع عدد من القادة الدوليين وتتركز خلالها المباحثات حول تطورات الأوضاع علي الساحة الدولية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك, إضافة إلي تعزيز العلاقات الثنائية. وقبل عقد هذه اللقاءات, جاء أمس ليعكس اهتمام الرئيس بالقضايا الاقتصادية, وسبل جذب الاستثمارات إلي مصر, انطلاقا من النجاحات التي حققتها مصر عبر فترة وجيزة في مجال الإصلاح الاقتصادي, ومن هنا, جاء لقاء الرئيس مع أعضاء غرفة التجارة الأمريكية ورؤساء وممثلي الشركات الأمريكية الكبري, ورئيسي البنك الدولي والمجلس الأوروبي, ثم كان لقاء الرئيس مع الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن متابعة وقائع هذه اللقاءات يمكن القول بأن أمس كان يوما اقتصاديا, سيطر فيه الاقتصاد بمشروعاته, وأطروحاته, واستثماراته, وإجراءاته, والمناخ الذي هيأته مصر منذ تولي الرئيس السيسي زمام الأمور, وثقة المؤسسات الدولية في اقتصاد مصر, وقدرتها علي تحقيق منجزات واعدة, تمثل طفرة في عالم الاقتصاد وفق رؤية إستراتيجية واضحة الملامح, محددة الوسائل والأهداف. وحسب تصريحات السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية فإن الرئيس السيسي بحث في لقائه مع دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي, وسيبا ستيان كورتز مستشار النمسا تعزيز الروابط المتعددة والقوية مع مصر والاتحاد الأوروبي والمصلحة المشتركة في التصدي للتحديات التي تواجه منطقة المتوسط, وأعرب توسك وكورتز عن حرصهما علي مواصلة التنسيق وتعزيز التعاون مع مصر, مؤكدين أنها نموذج ناجح تحت قيادة قوية وحكيمة. وفي سياق متصل جاء لقاء الرئيس بمقر إقامته بنيويورك مع جيم يونغ كيم رئيس البنك الدولي. وفي لقائه مع الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات أكد الرئيس أن أحداث المنطقة وتطوراتها تدفع بضرورة تضافر الجهود لتعزيز العمل العربي المشترك ومواجهة محاولات التدخل في شئون الدول العربية. كما أعرب الشيخ عبد الله بن زايد عن حرص بلاده علي استمرار مستوي التنسيق والتشاور المكثف القائم مع مصر للتصدي للتحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة. ويمكن القول: إن مشاركة الرئيس السيسي في فعاليات هذه الدورة للأمم المتحدة تكتسب أهمية خاصة, فهي أول مشاركة في ولايته الرئاسية الثانية, والتي تحمل دلالات مهمة بما حققه من إنجازات علي صعيد العمل الداخلي, والمشروعات العملاقة التي تحققت في زمن قياسي, إضافة إلي ما اكتسبته مصر من مكانة دولية, استعادت بها دورها كدولة تملك مقومات التأثير علي مجريات الأحداث دوليا وإقليميا ونظرة علي طبيعة المشاركة المصرية في هذه الدورة تكشف نقاطا عدة وفي مقدمتها: (1) أن مصر شاركت بفاعلية في صياغة وثيقة أول إعلان سياسي سيصدر عن الأممالمتحدة في مجال حفظ السلام, ويلقي الرئيس بيان مصر بشأن هذا الإعلان, مؤكدا خلاله, مواصلة الحكومة المصرية جهودها الوطنية والإقليمية والدولية لتعزيز مساهماتها الميدانية بقوات وأفراد, ودعمها السياسي والإستراتيجي واللوجستي في عمليات حفظ السلام حول العالم, وبصفة خاصة في القارة السمراء والمحيط الجغرافي لمصر. (2) أن تمويل أجندة التنمية المستدامة2030 يمثل حدثا مهما تشارك فيه مصر بطرح رؤيتها والجهود الوطنية التي بذلتها لحشد الموارد الداخلية لتحقيق التنمية عبر برنامج الإصلاح الاقتصادي, وفي هذا السياق, جاء تأكيد مصر علي ضرورة تكاتف الجهود الدولية لمساعدة الدول النامية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. (3) لأن مصر بقيادة الرئيس السيسي قدمت للعالم نموذجا في ضرورة إعطاء الشباب فرصة المشاركة في بناء مجتمعه, وإطلاق طاقاته, وإبداعاته, والذي تمثل في قيامها بعقد منتدي شباب العالم في نوفمبر من كل عام كمنصة دولية لتعزيز دور الشباب ومشاركتهم الفعالة في مختلف مناحي العمل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, انطلاقا من هذا التوجه, تأتي المشاركة المصرية اليوم في إطلاق إستراتيجية الشباب2030 من خلال حدث تعقده المبعوثة الخاصة للشباب والسكرتير العام للأمم المتحدة. (4) استثمارا لدورها الدولي والإقليمي الذي استعادته بجدارة مع قيادة الرئيس السيسي, تشارك مصر في أعمال الحوار حول تنفيذ اتفاق باريس لتغير المناخ, والطريق إلي مؤتمر الدول الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية المنظمة الدولية الإطارية لتغير المناخ, وهذه المشاركة تنطلق من كون مصر رئيسا لمجموعة ال77 للتفاوض علي مخرجات المؤتمر, بهدف تفعيل جميع بنود اتفاق باريس, خاصة ما يتعلق منها بحشد موارد التمويل, وتعزيز إجراءات التكيف. (5) لأن مصر صاحبة دور لا يمكن إنكاره في دعم قضايا التحرر الوطني, فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي يلقي اليوم بيان مصر حول مسيرة الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا, في إطار القمة التذكارية, للأمم المتحدة احتفالا بالذكري المئوية لميلاد مانديلا بعنوان قمة مانديلا للسلام وفي هذا السياق, يؤكد الرئيس في بيانه, محورية مفهوم السلام في سياق العمل الدولي المشترك, وفي إطار ميثاق الأممالمتحدة. (6) المؤكد أن المشاركة المصرية ستجعل من القضية الفلسطينية محورا مهما في مناقشات هذه الدورة, بالتركيز علي أبعادها, وطرح رؤيتها إزاء التعامل مع مستجدات الأحداث علي الساحة الدولية, وتعاطيها مع أبعاد القضية, وفي إطار المتغيرات ذات الصلة بها, وحرص مصر علي الدفع بكل قوة لوضع حلول واقعية قابلة للتنفيذ, تقوم علي حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس, وتلك رؤية تمثل ثوابت الموقف المصري, وتعاظم دور التمسك بها في ظل الرئيس السيسي. (7) يمثل الإرهاب الخطر المشترك الذي يواجه العالم بكل دوله بلا استثناء, وباعتبار مصر إحدي الدول الثلاثين التي قامت بتأسيس المنتدي العالمي لمكافحة الإرهاب, تأتي مشاركتها في اجتماع دورته التاسعة بعد غد التي تركز علي الجوانب المتصلة بظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب, والعلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة, ومحاكمة المتهمين بالإرهاب, ويبرز دور مصر في هذا السياق باعتبار رئاستها لمجموعة العمل المعنية ببناء قدرات دول منطقة شرق إفريقيا في مجال مكافحة الإرهاب. (8) اتصالا بما أشرت إليه في النقطة السابقة, يأتي اعتماد مدونة سلوك حول مكافحة الإرهاب التي تم التوصل إليها, وكان لمصر دور بارز في إعدادها, بعد مفاوضات عقدت علي مدي الأشهر الماضية, وتتضمن أهم المبادئ التي يتعين علي الدول الالتزام بها في إطار جهود مكافحة الإرهاب. (9) ولعل قراءة محاور هذه المدونة تكشف مدي فاعلية الدور المصري, في تضمينها مجموعة من المرتكزات التي تعكس الرؤية المصرية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب, ويتضح ذلك حين تؤكد المدونة في بنودها ضرورة الالتزام بالقانون الدولي عند مكافحة الإرهاب, ووقف أي تمويل وجميع أشكال الدعم للإرهاب, والتصدي لأيديولوجيات ورسائل الإرهاب, وتعزيز التعاون بين الدول في مجال مكافحة الإرهاب, ومنع استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, بما في ذلك الإنترنت لأغراض الإرهاب, وأعتقد أن أي منصف متابع لجهود مصر ورؤاها في التعامل مع ظاهرة الإرهاب يكتشف بلا أدني مشقة أن هذه المبادئ خرجت من رحم الرؤية المصرية التي تخوض حربا ضد الإرهاب يعرف القاصي والداني تفاصيلها, وتبعاتها لكنها في النهاية تفعل ذلك لأنها مصر. (10) أستطيع وبيقين أن أؤكد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل جولاته وزياراته ولقاءاته يقدم الأدلة الدامغة علي أن مصر الجديدة, ولدت قوية, قادرة علي تحقيق أمنها واستقرارها, واستعادة ريادتها ومكانتها دوليا وإقليميا, التي تستحقها بجدارة, بذلا وعطاء, وفق منهج ينطلق من إمكانات واقع يملك بإرادة سياسية وسند شعبي أن يصنع ما قد يراه الآخرون مستحيلا. وتلك هي مصر.