سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حرر الملف: أحمد عليبة أحمد البحيري الانتخابات العراقية التمثيل السياسي لتحديات الانتخابات النيابية
بسبب العوامل التالية:
العراق: التضاريس السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات
علي عتبة الانتخابات العراقية المقبلة يبدو المشهد مختلفا تجاه الاستحقاق الذي يعيد تشكيل الخريطة السياسية العراقية في كل دورة من دوراته وفقا لانعكاسات الحالتين السياسية والأمنية وطبيعة التحالفات التي تتشكل في خضم تطوراتها, وتأتي هذه الدورة في إطار متغيرين, فعلي المستوي الاتحادي أخذت قضية كردستان العراق منحي جديدا بعد فشل مشروع الانفصال, وعلي المستوي الأمني تحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها داعش وفي هذا الإطار ما هي ملامح التضاريس السياسية المواكبة للتغير المرحلي في المشهد العراقي؟ وما هي طبيعة شكلها بعد الانتخابات. فما هي الخريطة السياسية للبيت الشيعي؟ وفي مقابلها خريطة التيار السياسي العروبي السني؟ وما هي حدود التداخل بينهما؟ ما هي القضايا الرئيسية التي تشغل بال الرأي العام قبيل الانتخابات؟ ما هو مستوي التشبيك بين الانتخابات والعلاقات العراقيةالإيرانية؟ وما الذي ستضيفه الانتخابات إلي محركات التنمية السياسية في العراق؟ استعادة مصر قدرا من المكانة التقليدية لها في القارة الأفريقية خلال السنوات الأربع الماضية مدفوعة باستدراك الخلل الذي انتاب تلك العلاقات خلال الفترات السابقة, كيف تقييم هذه الفترة؟, وما هي القضايا التي شكلت هزات عنيفة أثرت علي تلك العلاقات؟ والتهديدات النابعة من العمق الأفريقي تجاه المصالح المصرية المصيرية؟ وما طبيعية مسارات العودة؟ وهل تكفي لإزالة التحديات والتهديدات؟ تقدم الانتخابات النيابية المقبلة في العراق صورة سياسية لبلد عربي يختلف تماما عن نظرائه في معظم البلدان العربية المجاورة التي تعاني من التفكك أو عدم الاستقرار مثل سوريا. وسوف تعني هذه الانتخابات الكثير بالنسبة للنظام السياسي وبالنسبة للناخبين العراقيين, ذلك أن هذه الانتخابات تعني ما يلي: - التقدم خطوة للأمام علي طريق إعادة رسم التضاريس السياسية في العراق بعد حدثين كبيرين(1) تحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش, وأهمها محافظة الموصل. وضع حد لحلم الأكراد في إقامة دولتهم المستقلة في شمال العراق.- تشير الملامح المبكرة للتضاريس السياسية في العراق ما بعد الانتخابات إلي تكريس طابع التعددية في نطاق المرجعية الشيعية, مع عدم إنكار حقيقتين: الحقيقة الأولي: تتمثل في وجود قوي سياسية ذات طابع قومي/ طائفي( العراقيون العرب السنة/ الأكراد السنة وغير السنة/ التركمان/ الأقليات مثل الأيزيديين), وبعض هذه الأقليات يحميها الدستور سواء في وجوب تمثيلها داخل البرلمان, أو في تمثيلها في قيادة النظام السياسي بشكل عام( رئاسة الدولة للأكراد- رئاسة البرلمان للعرب السنة- رئاسة الوزراء للشيعة) ومن شأن الاعتراف بهذه الحقيقة أن يعزز وحدة واستقرار الدولة العراقية. الحقيقة الثانية: تتمثل في أنه لم يعد هناك سور عظيم يفصل بين المكونات السياسية العراقية ويمنع احتمال تحالف بعضها مع البعض الآخر علي أسس سياسية وليس قومية أو طائفية. ويعني الاعتراف بهذه الحقيقة تشجيع القوي السياسية علي التحالف والتقارب علي أسس برامج سياسية, وهو ما يعزز إمكانات نضج النظام السياسي العراقي الجديد الذي بدأ في التشكل منذ15 عاما بإنشاء مجلس الحكم في العراق برعاية الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر. ويجب التنويه هنا إلي أن حزب الدعوة الإسلامية في العراق الذي تأسس عام1957 أصبح الحاضنة الكبري للتيارات السياسية الشيعية, ومنه تتوالد كتل وتحالفات سياسية لها اليد الطولي في رسم مستقبل الخريطة السياسية في العراق منذ بدأت المرحلة الدستورية الحديثة بعد إسقاط صدام حسين. ومع ذلك فإن الخريطة السياسية للبيت الشيعي نفسه تكشف عن تقاطعات مهمة خصوصا مع تنامي قوة التيار الصدري ذي النزعة المستقلة, وبروز قوة منظمة بدر كتنظيم سياسي/ عسكري بقيادة هادي العامري, واستمرار قوة ما يسمي الآن( تيار الحكمة) الذي يقوده عمار الحكيم بعد أن تحلل عمليا ما كان يسمي المجلس الأعلي للثورة الإسلامية في العراق. وفي المقابل نجد أن التيار السياسي العروبي/السني قد حافظ علي قوته النسبية علي الرغم من الخسائر الشديدة التي تعرض لها في السنوات الأخيرة, بما في ذلك الخسائر التي تسبب فيها تنظيم داعش بسيطرته علي عدد من الأقضية والمحافظات ذات الأغلبية السنيةSunniHeartland والتي كانت تمثل قواعد سياسية للتنظيمات ذات الطابع العربي/ السني. وأظن أن التمثيل السياسي لذلك التيار سيتعرض لتحديات كبيرة في الانتخابات النيابية المقبلة بسبب العوامل التالية: 1- قضية توطين النازحين وعودتهم الي مواطنهم الانتخابية خصوصا في الموصل وصلاح الدين. ولا يقتصر ذلك علي ترتيبات التصويت, وإنما يشمل وقبل ذلك اعتبارات التعبئة السياسية وتكوين رأي عام متماسك يقنع الناخبين بجدوي التصويت لممثلي التيار القومي العربي السني. 2- تشظي البنية التنظيمية لهذا التيار وعدم وجود عمود فقري سياسي يقوم عليه. ويبدو لي أن هذا التيار تحول عمليا إلي مجرد تكتلات انتخابية بها قدر كبير من السيولة والتنوع غير المنضبط, وذلك علي العكس من التيار السياسي الشيعي الذي يلعب فيه حزب الدعوة دور العمود الفقري السياسي, بينما تلعب المرجعية دور المرشد الإيديولوجي الموحد والواقي من التشرذم والتشظي. 3- انضمام شخصيات وتكتلات سياسية عربية سنية إلي تحالفات سياسية ذات قيادة شيعية. ومن أمثلة ذلك انضمام خالد العبيدي وزير الدفاع السابق( مع كتلته الانتخابية) إلي التحالف الانتخابي الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. وأظن أن فتح أبواب التحالفات الانتخابية الشيعية لقيادات عربية سنية وتكتلات ذات طابع سني يمثل أحد الملامح الرئيسية للانتخابات النيابية المقبلة في العراق. 4- تأثر الرأي العام العراقي سلبا بالدور السعودي الإقليمي سيترك أثرا سلبيا علي التيار العروبي, خصوصا علي ضوء ما يحدث في سوريا ولبنان واليمن والبحرين. ومع أن السعودية حاولت في العام الماضي أن تعيد بناء جسور للثقة مع العراق من خلال بوابات دبلوماسية وتجارية وسياسية, فإن واقع الحال يكشف أن زيارة السيد مقتدي الصدر للرياض في العام الماضي فشلت, وأن بناء جسور للتفاهم بين السعودية والعراق علي أسس دبلوماسية وتجارية لا تزال متعثرة, وأظنها ستستمر كذلك لفترة من الوقت( ربما سنوات, وربما سنوات طويلة). وبالنسبة للناخبين العراقيين بشكل عام فإن اهتمامات الرأي العام تنصب علي قضيتين أساسيتين: الأولي: الإعمار وإعادة البناء سواء في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش أو في العراق ككل. الثانية: تطهير البلاد من ظاهرة الفساد السياسي والمالي والإداري. وهي القضية التي نجح التيار الصدري في أن يجعلها تتصدر اهتمامات الرأي العام العراقي. وأظن أن اختيارات الناخبين ستتأثر بكل من هاتين القضيتين, وإن كانت الولاءات السياسية العميقة سوف تظل هي العامل الحاسم في قرار الاختيار بين الكتل والكيانات الانتخابية. إن الانتخابات العراقية تؤثر وتتأثر بالمشهد الإقليمي, فهي جزء منه وليست بعيدة عنه. ونظرا للأوضاع الحالية في المنطقة, فإن إجراء الانتخابات العامة العراقية في مواعيدها بانتظام منذ إقرار الدستور يمثل علامة من علامات الاستقرار والقوة السياسية علي الرغم من كل ما يشهده العراق من متاعب. ولم يتأخر العراق عن إجراء الانتخابات العامة في موعدها علي الرغم من صعوبة الأوضاع. وفي هذا دليل علي حرص المؤسسات والجماعات السياسية علي احترام النظام السياسي الجديد وإمداده دائما بمصادر القوة والتجدد وليس بأسباب الضعف والانقطاع. وفي تقديري أن الانتخابات النيابية المقبلة ستضيف إلي محركات التنمية السياسية محركا جديدا قادرا علي إنتاج فائض من القوة السياسية من شأنه أن يمكن العراق من لعب دور سياسي أنشط علي المستوي الإقليمي. وأظن أن وزارة الخارجية والقيادة السياسية العراقية والنخبة العراقية بشكل عام سيكونون جميعا في وضع أفضل بعد الانتخابات لرسم ملامح سياسة خارجية عراقية جديدة, خصوصا تجاه الدول العربية. وهذا يقودنا بطبيعة الحال للنظر إلي مستقبل العلاقات العراقية- الإيرانية في السنوات الخمس المقبلة علي الأقل. لقد تطورت هذه العلاقات بسرعة كبيرة إلي مجالات أعمق وأرحب وأكثر تنوعا منذ عام2003 حتي الآن. وبلغ التعاون الاقتصادي بين طهرانوبغداد آفاقا غير مسبوقة, لدرجة أن الزائر لمناطق البصرة والفرات الأوسط يمكن أن يشعر بسهولة أن هناك قدرا كبيرا من التكامل الاقتصادي بين العراقوإيران, وهو مستوي من التعاون المشترك لفائدة كل من الشعبين, بما في ذلك حركة الأفراد والأموال والتدفقات السلعية. وتعتبر القيادة السياسية في طهران أن العراق الآن هو قاعدة العمق العربي للسياسة الخارجية. وهناك اعتقاد راسخ في طهران بأن نجاح سياستها الخارجية يعتمد إلي حد كبير علي مكون عربي رئيسي داخل دائرة القوة الإيرانية وهو الآن العراق. لقد بدأت عملية طلب إيران للنفوذ في العالم العربي مبكرا بعد ثورة الخميني مباشرة من خلال القضية الفلسطينية, وتأسس( فيلق القدس) التابع للحرس الثوري الإيراني لهذا الغرض, وسعت قيادة الفيلق إلي تجنيد مقاتلين من كل الدول العربية, وهو ما مكنها فيما بعد من بناء شبكة مترامية الأطراف من( أنصار الله) أو( حزب الله) في عدد من البلدان العربية يبدو الآن نفوذها جليا في سوريا ولبنان واليمن وفلسطين. كما تم في إيران تأسيس( فيلق بدر) من بين المهجرين العراقيين الذين قذف بهم صدام حسين عبر الحدود من العراق. وعندما دخلت القوات الأمريكية إلي العراق سقطت الحدود العراقيةالإيرانية واندفع مقاتلو فيلق بدر إلي داخل العراق وشاركوا في عمليات لقتل القيادات البعثية السابقة وعدد من الضباط الذين شاركوا في حرب صدام ضد إيران. ثم تحول الفيلق إلي منظمة بدر, وهي الآن تشارك في العمل السياسي كتنظيم سياسي مستقل, وهي أيضا تمثل العمود الفقري لقوات الحشد الشعبي. وإذا كانت بعض الدول العربية تبدي عموما تحفظات علي السياسة الخارجية الإيرانية, فإن مثل هذه التحفظات تتضاءل جدا بالنسبة للعراق, علي الرغم من إدراك كل من البلدين لطبيعة العلاقة الوثيقة بين إيرانوالعراق. كذلك فإنه من المرجح أن تلعب الانتخابات النيابية العراقية دورا مهما في زيادة نشاط السياسة الخارجية لبغداد في منطقة الخليج, خصوصا مع الكويت وقطر وسلطنة عمان. ذلك أن ارتفاع درجة الاستقرار السياسي في العراق بعد الانتخابات وما سبقها من تحرير أراض عراقية من قبضة داعش, وإعادة فرض قدر من النظام علي العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان, من شأنه أن يمنح السياسة الخارجية مساحة أوسع للتخطيط والحركة. وستكون مسألة المشاركة في إعمار العراق موضوعا رئيسيا من موضوعات الحوار العراقي- الخليجي في المرحلة المقبلة.