أخيرا أصدر القضاء حكمه ببراءة الدكتور إسماعيل سراج الدين, مدير مكتبة الإسكندرية منذ افتتاحها في أكتوبر2002 وحتي مايو2017, ونائب رئيس البنك الدولي سابقا, والحاصل علي اثنتين وعشرين درجة دكتوراه فخرية من جامعات أجنبية عريقة تتناثر في قارات العالم الست, وعضو العديد من أكاديميات العلوم والفنون العالمية, ومؤلف ومحرر أكثر من خمسين كتاب, وأكثر من مائتي مقالة وبحث, والحائز علي درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد, أقدم وأعرق الجامعات الأمريكية والأولي علي مستوي العالم بين الجامعات. أصدر القضاء حكمه, وصار لنا أن نلتقط أنفاسنا طلبا لراحة, وأن تلهج ألسنتنا بالشكر لرب العالمين. الدكتور إسماعيل سراج الدين, الذي يكفي ذكر اسمه للحصول علي ثقة المؤسسات الدولية, فأهدت فرنسا المكتبة نصف مليون كتاب, وهولندا أكثر من أربعمائة ألف كتاب, إلي جانب الاعتراف الدولي بها كمكتبة عالمية. من المؤكد أن للمكتبة قيمتها, قديما وحديثا, يضيف إليها القائم علي رئاستها, الاحترام, والمصداقية, والقبول. يضعها في مكانة عالية فيقصدها الملوك, والرؤساء, والأمراء, والسفراء, خوان كارلوس, ملك إسبانيا, وقرينته الملكة صوفيا, الأمير هنريك زوج ملكة الدنمارك مارجريت الثانية, جورجي إيفانوف رئيس دولة مقدونيا, إلي جانب سلسلة من رموز السياسة والأدب. لا أحد فوق القانون, ومع هذا فللحدث, اتهامه بإهدار المال العام, دلالته, فرجل في قيمته ومكانته, وعلي الرغم من سابق تبرعه للمكتبة بأكثر من ثلاثة ملايين جنيه, إلا أن هذا لم يمنع من توجيه أكثر من مائة بلاغ ضده, صاغها ووجه سهامها محترفو تعطيل المراكب السايرة ومطبلاتيه الإعلام الأصفر المشبوه. المؤيدون إن امتلأت أفواههم بالمال والمعارضون إن حرموا. حملة مباخر التشويه, ونافخو أبواق الضجيج والصخب. أول من يقايض الوطن بحفنة من ذهب. أول من يبيع لقاء دراهم معدودات. أول من يشكك ويطعن طمعا في منصب أو جاه. الملتصقة وجوههم بكاميرات التليفزيون. يتنقلون من قناة لأخري, يبيعون في الأولي, ويشترون في الثانية, وينددون في الثالثة, ويشجبون في الرابعة, والنتيجة وطن يباع لحمه علي النواصي والأزقة والحارات. أدبا, أكد الرجل احترامه وثقته في القضاء, ولكن هل استشعر المجتمع ما عاناه الرجل نفسيا وأدبيا منذ صدر الحكم بسجنه ثلاث سنوات ونصف حتي إعلان براءته في ديسمبر الماضي. هل أدرك المجتمع الآثار السلبية للتهكم علي رجل في مكانته إلي حد إطلاق حملة تشوية تحت عنوان( إحنا آسفين يا سمعة)؟. هل تخيل المجتمع ما لحق الرجل من مهانة بعد أن كتب أصحاب الأقلام المقصوفة في الصحف الصفراء أن ما يحمله من شهادات لا يعود بالنفع علي المكتبة؟, أولئك الذين مكنهم تفشي الجهل والسطحية من تصدر مشهد الإعلام, ومن تزييف الحقائق. أولئك الذين يقيسون أقدار الناس بما يحصلون عليه من رشي. لا, لم يستشعر, ولم يدرك, ولم يتخيل, بل تركه وحيدا يتلقي سهام الغدر في صدره, منزويا تأكله مرارة النهايات. كيف نتلافي تكرار ما حدث مع آخرين, أولئك الذين يتحملون مسئوليات قومية, ويتخذون قرارات مصيرية, بينما يتنمر لهم الفاسدون العاجزون, يفتشون أوراقهم, يفحصون أختامهم, يراجعون قراراتهم, ثم ينفثون سمهم وحقدهم. في كل صباح, تنصب فيه مشانق الخذلان علي بوابات الزور والبهتان, تخسر المحروسة رجلا من رجالها, وتفقد عدة أميال علي طريقها إلي المستقبل. [email protected]