كان أميناً علي الأمانة، وجلب للمكتبة كنوزاً لا تقدر بأثمان، ولم يكلف المكتبة كلفة أسفاره، ولم يطلب لنفسه مغنماً ولا لمعاونيه مكسباً. • بيان محترم من مكتبة الإسكندرية في حق الدكتور إسماعيل سراج الدين، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، وكان فضل سراج الدين علي المكتبة عظيماً، الأب المؤسس لهذا الصرح العالمي، وتولي رعايته طوال 16 عاماً تحمل فيها عبء التأسيس والبداية، ومعلوم البدايات عادة ما تكون صعبة وشاقة وتحتاج لأولي العزم من الرجال. مشكور دكتور مصطفي الفقي علي البيان الذي حرره في حق سراج الدين، علي وقته كما يقولون، ولكن انفضاض النخب الثقافية عن مساندة سراج الدين إنسانياً وثقافياً ولو بالكلمات محزن، إسماعيل سراج الدين ليس اسم سجين بل اسم مثقف حقيقي، وعالم موسوعي، ومن جواهر التاج الأصيلة. تلكؤ النخب الثقافية عن نجدة ابن بار بها، وإن تداعوا إلي بيان أخيرا، من قبيل ذر الرماد في العيون، خليق بتدبر الحالة الإنسانية التي بتنا عليها، بالأمس كانوا متحلقين تحلق الأحباب، واليوم لا يدق أحدهم الباب، سراج الدين لم يجرم، ولم يسرق، ولم ينهب المال العام، وما يحمله من »دكتوراهات» فخرية يرفعه إلي عنان السماء. وكان أميناً علي الأمانة، وجلب للمكتبة كنوزاً لا تقدر بأثمان، ولم يطلب لنفسه مغنماً ولا لمعاونيه مكسباً، ولم يكلف المكتبة كلفة أسفاره جالباً المعرفة للمكتبة موطداً مكانتها عالمياً، وقتّر علي موظفيه، ولم يرضخ للابتزاز الذي مارسه البعض ضغطاً علي المكتبة استغلالاً للفوضي التي ضربت البلاد، ولم يترك موقعه ويهرب كما فعل آخرون، بل ظل يدافع عن المكتبة بدعم من مجلس الأمناء حتي مرت العاصفة. وطوال عمله في المكتبة أخلص في إدارتها لصالح مصر، ولم يشهلها بضاعة لصالح نظام حكم أو حزب، ورفض أن يلوث الإخوان قاعاتها، وحفظ للمكتبة سيرتها جامعة للكتاب، وموئلاً لأرباب الفكر والقلم، ولم يلتفت إلي الاتهامات التي لاكتها ألسنة حداد، ولا توقف قط أمام ترهات، ولم يغبن أصحاب الأيادي البيضاء علي المكتبة حقهم، مما جلب عليه متاعب، ومنغصات، وتوالت البلاغات التي لم تصدق في حقه إلا مصادفة البلاغ الأخير، ولا نناقشه في هذا السياق. لم أقترب من سراج الدين إلا مهنياً في حوارات مذاعة، وغيري كثير اقتربوا اقتراب المحبين، وخلّفوا بموقفهم اللاأخلاقي غصة في حلق سراج الدين، من حق الرجل أن يعتصره الألم، لم يتخيل أن يلقي جزاء سنمار، ويضاعف من ألمه الانفضاض من حوله، فلم ينصفه إلا النزر اليسير من الأقلام، ولم يقف منه موقفاً إلا أصحاب الضمائر، أما النخب التي كانت فكأنها لم تكن، وكأن سراج الدين لم يكن بالأمس، حاجة تحزن. سيسلك سبل القضاء، ولا نصادر علي الحكم، ولكن الحكم بسجن سراج الدين يخلّف مرارات، ويورثنا قضية خطيرة، هل هذه عاقبة المتصدين للعمل العام؟ مَن ذا الذي سيقبل بعدها بالعمل العام؟ مَن ذا الذي سيتصدي للمهام القومية؟ مَن ذا الذي سيتطوع لشغل المناصب وحمل المسئوليات؟ لا نرجو منكم جزاء ولا شكورا ولكن لا تكون العاقبة سجناً وغلاً وتشويه سمعة ونهش أعراض. إسماعيل سراج الدين لا تحزن، ستخرج من أزمتك غانماً، ياما دقت علي الرءوس طبول، وصاحب المنصب ممتحَن، وكل مسئول متهم إلي أن يثبت العكس، سِلو بلدنا الطيبة، تقتل الخلصاء.