لا تزال العملية السياسية في ليبيا التي تقودها الأممالمتحدة متعثرة, بالرغم من الحراك الطفيف الذي شهدته مع انطلاق المرحلة الأولي لخطة العمل من أجل ليبيا التي بدأ تنفيذها يوم26 سبتمبر الماضي, وانتهت إلي قيام المبعوث الأممي غسان سلامة بتقديم مقترح لتعديل مواد السلطة التنفيذية بالاتفاق السياسي حظي بالقبول من جانب مجلس النواب في طبرق وتحفظ عليه المجلس الأعلي للدولة في طرابلس, الذي رأي في المقترح إخلال بمبدأ الشراكة بين المجلسين, وهو ما لم يقابل حتي الآن بموقف واضح من البعثة الأممية لتحديد الخطوة المقبلة. ويسعي المبعوث الأممي من خلال خطة العمل التي أعلنها يوم20 سبتمبر خلال الاجتماع رفيع المستوي حول ليبيا الذي عقد في نيويورك علي هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة, إلي إجراء تعديلات محدودة علي وثيقة الاتفاق السياسي الليبي والدعوة لمؤتمر جامع لحسم القضايا الرئيسية وتحقيق المصالحة الوطنية وإقرار مشروع الدستور تمهيدا لطرحه للاستفتاء العام استعدادا لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية العام المقبل. وجاءت خطة العمل في وقت تشهد فيه ليبيا أزمة اقتصادية ومالية حادة أثرت سلبا علي الأوضاع المعيشية للمواطنين, مما دفع المبعوث الأممي غسان سلامة إلي التفكير في استخراج حكومة تعمل علي معالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين من الاتفاق السياسي الذي يفتقر إلي آلية تسمح بتحقيق ذلك, وهو طموح ربما قوض المرحلة الأولي من الخطة لأنه حفز رغبة الفاعلين الليبيين علي الاهتمام بالمشاركة في الحكومة الجديدة وصرف التركيز عن إنهاء التعديلات المطلوبة علي وثيقة الاتفاق التي باتت مثار جدل بين من يري أنه عمق الأزمة وانتهي في17 ديسمبر ومن يعتبره إطارا مرجعيا للسلطات السياسية إلي حين إنهاء الفترة الانتقالية التي يأمل سلامة أن تنتهي قبل نهاية العمل المقبل. يقر سلامة أن خطته الرامية لإنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا طموحة أكثر من اللازم وتواجه تحديات جسيمة علي مستويات عدة. فداخليا لن تقبل أطراف الأزمة التخلي عن مكتسباتها خلال عملية التفاوض كما أنها ستحرص علي أن تكون البيئة التي ستنتهي إليها الخطة غير مهددة لطموحاتها وأدوارها السياسية والأمنية التي تضمن من خلالها الاحتفاظ بفعاليتها وموقعها في السلطة. أما خارجيا وإن كانت القوي المعنية بليبيا مقتنعة بأنها أمنت مصالحها بالقدر الكافي خلال الوقت الراهن, إلا أن ذلك يبقي مهددا في ظل استمرار الصراعات الداخلية ما يحتم علي هذه الدولة ضرورة دعم وتعزيز واستثمار المصالحات المحلية لضمان مصالحها ومساعدة الأممالمتحدة علي دفع العملية السياسية للوصول إلي تسوية للأزمة. في17 ديسمبر أعلن القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في بيان مصور, عدم اعترافه بالاتفاق السياسي ومخرجاته, مؤكدا أنه لن يخضع لأي سلطة ما لم تكن منتخبة من الشعب, وبدأ مشككا في الإطار الذي يجري من خلاله التجهيز للانتخابات القادمة. كما أقدم مجلس النواب في طبرق علي انتخاب محافظ جديد للمصرف المركزي من دون التشاور مع المجلس الأعلي للدولة في طرابلس, وفق ما ينص عليه الاتفاق السياسي, وإن كان المحافظ الجديد يحظي بالتوافق إلا أن الإجراء المنفرد من جانب مجلس النواب في طبرق أثار مخاوف لدي مجلس الدولة كونه جاء قبل إدماج الاتفاق في نص الإعلان الدستوري, وهو ما قد يكرس الخطوات الأحادية في المراحل القادمة بحسب مجلس الدولة الذي يصر علي مبدأ المشاركة. هذه التصرفات الأحادية من جانب أطراف الأزمة تضفي مزيدا من التعقيدات علي جهود المبعوث الأممي لإعادة إحياء العملية السياسي التي يطمح من خلالها المجتمع الدولي إلي إعادة هندسة المشهد الليبي عن طريق الانتخابات التي يسعي إلي إجرائها علي أساس متين يتمثل في إقرار دستور دائم وقوانين انتخابية غير قابلة للطعن حتي لا تؤثر علي شرعية المؤسسات الليبية مثلما هو حاصل الآن. لكن يبدو أن هذه الآمال تصطدم بالواقع المعقد للأزمة وشبكات المصالح والفساد التي نسجت خلال السنوات الأخيرة وتعرقل محاولات المضي قدما علي طريق التسوية, مما دفع مسئولين غربيين كبارا إلي تنبيه وتحذير الأطراف الليبية الفاعلة من استمرار العبث وتقويض الجهود الأممية, وهو ما تشير إليه زيارات وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا إلي طرابلس وبنغازي وكذلك زيارة المشير حفتر إلي روما مؤخرا. ومع إقراره بالتحديات الجسام التي تواجه خطته, ألمح سلامة في مقابلة تليفزيونية مع إحدي القنوات الليبية قبل أيام إلي احتمال إجراء تعديل علي خطته, عندما قال إنه لن يتمكن من الدعوة للمؤتمر الوطني الجامع خلال فبراير المقبل في ظل إلحاح الليبيين علي تنظيم المؤتمر داخل البلاد, والذي سيحتاج إلي ترتيبات لوجستية ربما تؤخر تنظيم المؤتمر في الموعد الذي أعلنه خلال إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن حول تطورات الوضع الليبي, كما ذكر أن هناك دولا لم يسمها طلبت إبقاء الوضع الراهن, ما يعني التعديل الاضطراري قد يؤجل مواعيد الخطة للبحث عن بدائل للخروج من المطبات السياسية والأمنية التي تعترض التنفيذ.