من المعروف أن وسائل الإعلام هي التي تقدم المعلومة للجمهور, ومعالجاتها هي التي تشكل المزاج العام الذي يعد محددا رئيسيا في تحديد توجهات وأولويات الرأي العام, وهي في ذلك كله تخلق وعيه بما يحيط به من أهداف ومخططات. وعندما تفتقد وسائل الإعلام البوصلة تأتي رسالتها بنتائج سلبية, خاصة عندما يتزامن ذلك مع عدم الانضباط المصطلحي في المعالجات التي يتم تناولها, والتي غالبا ما تأتي محملة بوجهة نظر القائمين علي إعداد المحتوي, وفي الأغلب الأعم تحمل تحديدا وجهة نظر مقدم البرنامج الذي غالبا ما يكون من ذوي الحظوة والهيمنة الإعلامية من تلك النخبة المسيطرة علي الساحة الإعلامية منذ الفترة التي سبقت2011, ودعمها وجودهم منفردين بالساحة الإعلامية طوال الفترة التي تلت.2011 عاصرت خلالها تلك النخبة أحداثا سياسية غيرت كثيرا من الواقع المصري والإقليمي, وتصورت أنه بات لها القدرة علي التوجيه والتحكم في أولويات المواطن والتحكم فيه, عبر ما يقدمونه من منتج, وتلك النخبة صاحبها انتفاخ ذاتي هيأ لها أنه لا يمكن أن تسير الأمور علي عكس رغباتها. الأمر الذي أصاب معظم المعالجات والمنتج الإعلامي بقصور شديد وعجز واضح أصبح سمة مميزة لوسائل الإعلام المختلفة, مما جعلها عاجزة عن الاضطلاع بمهامها في الحشد البناء للتنمية وتقديم نموذج للإعلام التنموي الذي يحمل في مضمون معالجاته مسئولية اجتماعية حتمية غابت ولم يعد لها وجود إلا فيما ندر, ناهيك عن الهدم الواضح لقيم تاريخية, ولتقاليد اجتماعية, ولتغييب للأصول الثقافية, ولتجهيل بفهم صحيح الدين, هذا العجز يعكس معاناة وطن ورئيس ومواطن من الدور الغائب للإعلام المصري. وأسهم في كل ذلك اختفاء منصب وزير الإعلام دون أي سند دستوري أو تشريعي أو قانوني, والذي كان أهل الشر حريصين علي أن يغيبوا منصبه بالتحايل والتزييف, وذلك علي مدار ثلاثة أعوام الآن, ناهيك عن أربعة أعوام سبقتها تنامت فيها معاول الهدم لتطول مفاصل وسائل الإعلام القومي, في استهداف واضح للقوي الناعمة للدولة المصرية لمصلحة وسائل الإعلام الخاص ومجموعات رجال الأعمال ووكالات الإعلان التي حلت محل وكالات الإعلان في المؤسسات القومية, مما جعل الإعلام يعمل وفقا لهوي القائمين عليه, وليس وفقا لاستراتيجية تدعم بناء الدولة الوطنية الجديدة والتي يتعارف عليها داعموها بأنها دولة3 يوليو. إعلام تحكم فيه المال والإعلان, وأجبره علي منتج إعلامي ترفيهي واستهلاكي, إعلام قادته توجهات رجال الأعمال وملاك القنوات, إعلام تحكمت فيه الذات المنتفخة لمقدمي برامجه, إعلام يعمل علي الهدم وليس البناء, كان حتميا أن يكون عاجزا عن القيام بدوره, مما يجبر الرئيس علي أن يخرج للمواطنين كلما أتيحت له الفرصة شاحذا للهمم ومطالبا بالبناء والتنمية والتعمير والعمل والأمل والحفاظ علي اللحمة الوطنية, ومحذرا مما كان يخطط للدولة المصرية من محاولات مازالت مستمرة حتي الآن لإفشالها. وبسؤال المواطن البسيط في أي مكان, تتولد قناعة بأنه بعيد كل البعد عن إدراك ماذا يحاك لوطنه, أو لماذا آلت الأمور لما هي عليه اليوم, إضافة إلي أن المواطن لم تعد لديه الثقة في المهاترات الاعلامية التي يتم تقديمها في البرامج الحوارية, وتراجع أسهم مقدميها وفقدانهم للبريق والهالة التي رسمت لهم عبر السنوات القليلة الماضية, حتي إن معظم هذه البرامج ومقدميها يستميتون في محاولة أن يغرقوا المواطن في دوامات صراعات وهمية حول أزمات وصراعات تافهة بل ومفتعلة, وإعادة إنتاج لأسئلة وأطروحات ليس من المجدي مناقشتها في هذه المرحلة, مالم يكن هناك أغراض أخري لطارحيها. الغائب هو الإعلام, الغائب هو التنظيم الذي لم يفعل حتي الآن, والذي بدأ المواطن يتساءل عن جدواه وجدوي هذه التغييرات, فالمواطن يرغب أن يري يدا قوية تفرض سيطرتها علي هذه الفوضي الإعلامية, حتي تتمكن مؤسساتنا ووسائلنا الإعلامية القومية والخاصة من استعادة هيبتها وثقة المواطن فيها, في مرحلة تتطلب منا جميعا التكاتف لإعادة بناء الوطن علي أسس صحية. الغائب يا سادة هو أن نؤسس لإعلام تنموي تثقيفي ينقذ المواطن من الوقوع فريسة للإعلام السطحي الترفيهي. فالثابت أن معظم المعالجات مفتقدة للتوجيه الصحيح لكي تصل الرسالة مكتملة, وفي توقيتها المناسب, عبر قائم بالاتصال لديه الوعي الكافي ومعرفة بالمخاطر والتهديدات والتحديات التي تواجه الوطن ومحيطه الإقليمي, وأغلب هذه المعالجات للأسف أيضا يكتفي بالبحث عن الإثارة والسبق الصحفي والربح من الإعلان في مقابل الإعلام. ويعمق من أزمة الإعلام التقليدي, عدم القدرة علي توصيل رسالة الدولة عبر وسائل الإعلام الحديث, واستغلال التنظيمات الإرهابية للوسائط المعلوماتية الحديثة وبرامج التواصل بكفاءة لنقل الرسائل والمعلومات. ويضاف لذلك, هذا الكم من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي, الذين يسهمون في نجاح الإرهابيين في تحقيق أهدافهم, من خلال بث روح اليأس والإحباط وادعاء قيامهم المعارضة, ومعظمهم باتت وجوههم مكشوفة كون الدولة ومؤسساتها لفظت معظمهم ورفضت أن يكون لهم دورا في صياغة مصر المستقبل. لا حل إلا في إستراتيجية تعليمية, ثقافية, فنية, متكاملة تتزامن بتوعية للأسرة بحتمية عودتها للعب دورها في الحفاظ علي الأمن المجتمعي وتعمق من الولاء والانتماء, ولن يكون ذلك إلا بضمان توفير التدريب اللازم للعنصر البشري وتأهيله, وتوفير امكانات ومعدات فنية داعمة للرسالة الإعلامية الموجهة لمكافحة التطرف والإرهاب, مع الاستعانة بأدوار لمؤسسات وهيئات مساندة للإعلام في ظل خطط تنويرية موحدة قصيرة وطويلة الأمد, كمنابر المساجد والكنائس ووزارة الثقافة ومنظمات المجتمع المدني ووزارة الشباب والرياضة وشركات الإنتاج الفني, بهدف توعية المجتمع ومواجهة الفكر بالفكر, وعزل التيارات المتشددة عن جسم المجتمع وضمان عدم توفير حاضنة اجتماعية وفكرية داعمة للإرهاب في المستقبل.