ربما لأنها لم تجد بدا من حماية نفسها بنفسها, تصدت بيدها الرقيقة لجنود الاحتلال الإسرائيلي, فلطمت اثنين منهما علي وجهيهما. ربما لأنها أدركت أن أحدا لن يخف لنجدتها لو رددت نداء امرأة عمورية وامعتصماه, فلم يعد ثمة أمير للمؤمنين قادر علي تحريرها, ولم يعد ثمة معتصم, فهبت هي للدفاع عن أسرتها وبيتها وتصدت للجنود الصهاينة ببشرتها الشقراء وشعرها الأصفر وعزيمتها الفولاذية التي لا تلين. إيمانها بقضيتها يفوق عمرها بعقود, فهي بعد لا تزال في السادسة عشرة من عمرها, ولكنها تصرفت كمقاتلة شرسة تدربت علي المواجهة لعشرات السنين بعدما سئمت الظلم وملت من موات الهمم حولها, وأدركت معني حكمة ما حك جلدك مثل ظفرك. عهد التميمي.. أيقونة المقاومة الفلسطينية, التي أحرجت العالم بقوة إرادتها. فتاة من ذهب.. لم تنتظر ما تسفر عنه مفاوضات مع عدو لا عهد له, وكشفت تهافت الاحتلال, وهشاشة المجتمع الدولي والعربي والإسلامي. عهد التميمي.. مناضلة من طراز فريد, وناشطة قبل الأوان, اختارت مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي من دون سلاح إلا إيمانها بعدالة قضيتها وبحقها في العيش في سلام, فتصدت له بيدين خاليتين, اختارت المواجهة بديلا عن البكاء في المخيمات, وتحملت الاعتقال! مارست حقها في الاحتجاج علي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل بصورة عملية, ولم تركن إلي التنديد والإدانة, فخرجت في مسيرات احتجاجية لتعلن رأيها في مواجهة قوة غاشمة يقودها سفاحون وقتلة. وربما يفسر حملة الاحتلال علي الأطفال الفلسطينيين في هذه الانتفاضة الروح التي تتحلي بها عهد وأمثالها من الجيل الفلسطيني الجديد ممن اختاروا المواجهة علي الاستكانة. قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تخجل من اعتقال الأطفال والصبية, ولا تستحي من الاعتداء بالضرب علي النساء والشيوخ أمام الكاميرات, وكأنما أصابتهم حالة سعار, وكالات الأنباء رصدت مئات حالات اعتقال أطفال فلسطينيين في عمر الزهور علي أيدي سفاحين يرتدون الزي العسكري في الأراضي المحتلة منذ اندلاع الانتفاضة الثالثة. ولدت عهد التميمي في قرية النبي صالح في30 مارس2001, البنات في مثل عمرها لهن ما يشغلهن من أمور الزينة والأزياء, أما هي فتعلم أنها خلقت لكي تحرر أرضها. في19 ديسمبر2017, عادت من جديد لتتصدر أخبارها صفحات الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي بعدما صفعت اثنين من جنود الاحتلال الإسرائيلي, فاعتقلوها فجر اليوم التالي. عهد التميمي طالبة في الثانوية العامة تدرس في مدرسة البيرة الثانوية للبنات. لا يشغلها ما يشغل البنات في مثل عمرها, دائمة التصدي للاحتلال خلال هجماته علي أهالي قريتها, تمكنت ووالدتها من تخليص شقيقها محمد من يد جنود الاحتلال أثناء محاولة اعتقاله, وسجلت كاميرات الإعلام المشهد. تشارك والديها في المسيرات والمظاهرات الرافضة للإجراءات القمعية التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلية في قريتها منذ كانت في الرابعة من عمرها, وتقول عن نفسها: إنها كانت تؤمن بما تفعل تماما, وتري أن الخروج في المسيرات المناهضة للسياسات الإسرائيلية حافز للناس للاستمرار في النضال. لم تتغيب عن أي مسيرة أسبوعية في قريتها, وتحمل لافتات مكتوب عليها: اخرجوا من أرضنا.. فهذه الأرض ليست لكم, عهد التميمي تنوي الالتحاق بكلية الحقوق لدراسة القانون لكي تدافع عن قريتها ووطنها فلسطين ومواطنيها. بدأت الفتاة الفولاذية الرقيقة المشاركة في مسيرة قرية النبي صالح في ديسمبر2009, كاحتجاج أسبوعي لأهالي القرية وبعض المتضامنين الدوليين ضد جدار الفصل العنصري وضد مصادرة أراضي القرية لصالح مستوطنة حلميش, وهي تأتي في سياق المقاومة الشعبية ضد جدار الفصل العنصري الذي التهم جزءا كبيرا من أراضي القرية. والدها باسم التميمي مواليد نفس القرية; درس الاقتصاد في جامعة بيرزيت في رام الله, ثم حصل علي ماجستير القانون الدولي من جامعة برشلونة. اعتقل عام1988 خلال انتفاضة الأقصي, ثم اعتقل مرة أخري في1993 حيث تعرض للتعذيب الشديد الأمر الذي تسبب في إصابته بشلل نصفي. استشهدت عمة عهد التميمي عام1993 جراء اعتداء مجندة إسرائيلية عليها خلال محاكمة ابنها مما سبب لها شللا أودي بحياتها علي الفور. والدتها ناريمان التميمي, تعرضت للاعتقال هي الأخري أكثر من5 مرات, وتعرضت أيضا للضرب والإهانة علي أيدي جنود الاحتلال بسبب توثيقها بالكاميرا لجرائم الاحتلال في قريتها, لديها من الأبناء3 من الذكور هم وعد, محمد وسلام ثم بنت واحدة وهي عهد. والدها ووالدتها هم أعضاء في لجنة المقاومة الشعبية ضد الجدار والاستيطان التي تم تأسيسها عام2009 لتنظيم فعاليات ضد الاحتلال في القرية. كما تم تأسيس مكتب إعلامي لرصد وتوثيق جرائم قوات الاحتلال ضد الأهالي عرف بتميمي برس. أسرة عهد كلها الآن رهن الاعتقال في سجون الاحتلال. جرد جيش الاحتلال أكثر من عشرين مركبة عسكرية مدرعة لاعتقال عهد قبل أسبوع, واستولت القوة التي اقتحمت المنزل علي أجهزة الكمبيوتر والموبايلات التي كانت موجودة بالمنزل, فيما اعتقلت والدتها من أمام معسكر بنيامين شمال رام الله في نفس اليوم حين كانت تحاول الاطمئنان علي ابنتها الأسيرة, واعتقل والدها من داخل قاعة المحكمة أثناء حضوره جلسة محاكمة ابنته بعد يوم من اعتقالها.