لا ينفصل الانسان عن اسمه فالعظماء يعودون إذا استدعيتهم من ذاكرة التاريخ لتسيطر عظمتهم فوق البسطاء والبسطاء يعودون إذا استدعيتهم من ذاكرتك ليكونو متنزه أقدام العظماء ولذلك خير أن ننسي الماضي حتي لا يحيا في المستقبل وحتي لا يخدعنا التاريخ ويكرر نفسه بهذه الكلمات التي اقتبسها من رواية فانديتا للكاتب بهاء الين رمضان قدم المخرج محمود فؤاد صدقي لعرضه المسرحي مسافر ليل الذي تناولته الرواية ايضا لأن احداثها تدور كذلك عن مسافر في قطار ليل. عرض مسافر ليل هو أول عرض احترافي للمخرج محمود فؤاد صدقي ومن انتاج مركز الهناجر للفنون, الذي قرر لأول مرة مع هذا العرض الخروج لساحته الخارجية حيث تم تقديم العرض في ديكور يحاكي عربة قطار الدرجة الثالثة كنموذج لقطار الليل الذي تدور بداخله احداث مسرحية صلاح عبد الصبور ويقدم رؤية فلسفية عن العلاقة بين السلطة الديكتاتورية والشعب. ويقول فؤاد إن نص مسافر ليل يصلح لتقديمه في كل وقت واي مكان, فهو لكاتب عبقري من أهم الكتاب في تاريخ المسرح العربي, والمسرحية تحمل في طياتها الكثير من المعاني الفلسفية والرمزية والتعبيرية التي تجذب الكثير من المخرجين لإعادة تقديمها, فهي تناسب كل عصر لأن النص مكثف الفكر ومعانيه قوية ويمكن تأويلها بطرق مختلفة وفي أزمنة وعصور مختلفة, وكل مخرج يراها من الجانب الذي يجذبه أكثر وطبقا لرؤيته الخاصة. ويضيف لفت نظري منذ فترة طويلة الناس الذين يقومون باستدعاء العظماء باستمرار ليكونوا متنزها لاقدام البسطاء, الذين يعيشون دائما في الماضي ولا يريدون الذهاب للمستقبل ويتحسرون علي الأيام السابقة والحكام السابقين رغم مساوئهم, ونري معهم أفكارا غريبة مثل من يتمنون عودة هتلر والنازية, أو من يتمنون عودة الملكية في مصر ويعتبرونها أفضل فترة في تاريخها, مشيرا إلي انه لهذا قرر التركيز في العرض علي الفكرة الفلسفية الخاصة بمنظومة العبد والسيد وناقش هذه الفكرة بشكل فلسفي علي مستوي العالم كله فنحن من نصنع السيد ونحتاج أن نكون عبيدا, ومن هنا تنشأ ايضا فكرة الأرهاب. ويؤكد أن ما يصنع الإرهاب هو استسلام الفرد لشخص يصدر له الفتاوي والاحكام, ويشكل عقله كما يريد فيتحول إلي عبد وسيد, وهو ما ولد الفكر الداعشي وما يصاحبه من ارهاب يتحكم في عقول الناس ويدفعهم لارتكاب الجرائم, وانتشرت الافكار المتخلفة التي تتطالب بعودة الخلافة والجهاد بحد السيف وما إلي ذلك, مضيفا أن الافكار المتطرفة موجودة في جميع انحاء العالم ولدي معتنقي الديانات المختلفة. ويشير إلي أن بعض الأشخاص المؤمنين بالأفكار المتطرفة يستدعون عظماء من التاريخ ليحركوا أفكارهم, وهو ما دفعه واستفزه لاعادة تقديم مسافر ليل, حيث كان يشغله النص منذ ما يقرب من خمس سنوات, خاصة بعد تأسيس مسرح الساحة, حيث كان حريصا علي تقديمه في شكل واطار فلسفي عالمي بدون أن ترتبط بفترة زمنية حداثية أو احداث تاريخية مرت بها مصر والوطن العربي في السنوات الاخيرة, والإشارة لفترة حكم مبارك أو غيره من الحكام, لأن العرض لا يتناول فترات تاريخية وإنما يقدم صورة عامة عن علاقة الشعوب بالسلطة والتمسك بالماضي. ويقول إن العرض من وجهة نظره فلسفيا ولهذا لم يكن يريد تقديمه في الإطار المسرحي التقليدي داخل مسرح العلبة الايطالية, ولهذا اجتهد في البحث عن مسئول وجهة انتاج تؤمن بفكرته ورؤيته عن العرض وتقبل تقديمه في داخل ديكور قطار, وبالفعل أمن بها الفنان محمد دسوقي مدير مركز الهناجر للفنون ودعم الفكرة بشكل كبير, مشيرا إلي أنه تم بناء ديكور قطار الدرجة الثالثة ويجلس الجمهور مع الممثلين بداخل عربة القطار. ويضيف يمكنني القول بهذه الطريقة أن لدي61 راكبا في مسافر ليل وليس راكب واحد, وهم جميعا مشاركين في العمل وتجمعهم بابطال العرض علاقة حميمية بعد أن اصبحوا جزء من الحالة العامة لقطار الليل, مشيرا إلي أن هذه الفكرة لاقت اعجاب الشباب وحقق العرض اقبالا كبيرا طوال ايام عرضه التي استمرت علي مدار شهر كامل واضطر فريق العمل لتقديم حفلتين للعرض أحيانا في نفس اليوم. ويؤكد أن عوامل نجاح العرض من وجهة نظره أولا الاعتماد علي نص قوي لكاتب مهم مثل صلاح عبد الصبور, والحالة التي خلقتها العناصر المستخدمة من ديكور وسينوغرافيا وتمثيل, مشيرا إلي أن الهناجر يعد خطة لتجوال العرض في المحافظات, والتي يساعد تيسيرها سهولة فك وتركيب ديكور القطار في اي مكان. مسافر ليل تأليف صلاح عبد الصبور وبطولة علاء قوقة وصفوت الغندور ومصطفي حمزة وملابس أميرة صابر وإضاءة أبو بكر الشريف وموسيقي زاكو وديكور وإخراج محمود فؤاد صدقي.