عشقه للقراءة والقانون دفعه لرسم خارطة طريق لخروج مصر من عنق الزجاجة, كي تتنسم رياح الديمقراطية والحرية وفي حواره مع الأهرام المسائي... فجر المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض وعضو المجلس الأعلي للقضاء العديد من الأفكار والآراء معبرا عن رؤاه بجرأة وصراحة ووضوح.. إنه يري أن ثورة25 يناير تمثل استعادة لحلم الشعب المصري بالديمقراطية أولا ومنها تخطو نحو العدالة الاجتماعية والتحرر السياسي, ولا يمانع في إجراء الانتخابات أولا قبل وضع الدستور ولكن بشروط تصب كلها في بوتقة العدالة والديمقراطية والخلاف في هذه الجزئية سياسي وليس قانونيا, ويطالب بالإسراع بقيام دولة مدنية مؤكدا ان الوضع الحالي يشكل خطرا علي الشعب والجيش معا, ويحذر من أن طول المدة يزيد في الخطورة. المستشار مكي يؤكد أن في مصر قضاة مستقلين قادرون علي اعلاء كلمة الحق, ولكنه يري ان القضاء عاجز عن اداء دوره لأنه مؤسسة تابعة للسلطة التنفيذية, ولذلك فهو يري ان وزير العدل جزء من السلطة التنفيذية, وصلاحياته تستهدف السيطرة علي القضاء, ولا يجوز ان يبقي منصب وزير العدل لإدارة شئون العدالة, ويفجر قنبلة من العيار الثقيل حين يؤكد ان كل المساويء التي يعاني منها المجتمع المصري أكبر دليل علي أن القضاء لا يؤدي دوره وعاجز عن اداء مهمته المنوط بها وهي حماية المواطن وحريته, بل ان المستشار مكي يري ان استشراء الفساد وتزوير الانتخابات وصور التعذيب المختلفة رغم وجود القضاء أكبر دليل علي أن القضاء اما عاجز او شريك.. وإلي نص الحوار: * بادرت المستشار مكي بالسؤال حول رؤيته للمشهد المصري حاليا من المنظور السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وجاءت اجابته: في قراءة متأنية للمشهد المصري بعد ثورة25 يناير فأول السطور تؤكد أن ثورة25 يناير استعادة لحلم الشعب المصري عام1952 وهو حلم الديمقراطية.. ولكن هنا يطفو سؤال إلي أين قاد هذا الحلم مصر عام1952 وهل تحقق بقيام ثورة25 يناير؟ الأكيد ان لمصر الآن حلما وحيدا ورئيسيا وهو تحقيق الديمقراطية بالفعل. وبين الثورتين هناك فرق ففي1952 كان الحلم هو الاستقلال ولا مانع بالتضحية بالحرية او العدالة ولم تكن ضمن احلام الشعب المصري وقتها ما يسمي بالديمقراطية, أما الآن فإن حلم وهدف الشعب هو تحقيق الحرية والديمقراطية ثم بعد ذلك اعادة ترتيب بقية الأحلام والأهداف علي اعتبار ان الديمقراطية ستقودنا إلي التقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر السياسي. ويضيف إن الخطيئة الكبري للنظام منذ عام1952 وحتي قيام ثورة25 يناير هو ضياع الديمقراطية التي تعطي لها الأولوية المطلقة الآن وتعد السبب الأول لقيام ثورة25 يناير. قضاة مستقلون حقيقة: أثيرت الكثير من الأقاويل حول استقلال القضاء المصري وقيل ان لدينا قضاة مستقلون وقضاء غير مستقل ما رأيك؟ يقول المستشار أحمد مكي.. نحن لدينا قضاة مستقلون قادرون علي إعلاء كلمة الحق بألسنتهم وهذه حقيقة قائمة ومؤكدة, بدليل ان القضاء عبر تاريخه له مواقف مشرفة.. ففي عام1968 أصدر نادي القضاة بيانا اكد فيه ان ضياع الديمقراطية وسيادة القانون هو السبب الرئيسي للنكسة. وهناك المستشار أحمد جنينة عندما قال للرئيس الراحل محمد أنور السادات أن الآوان ان تنهي قانون الطواريء وكذلك يحيي الرفاعي رئيس نادي القضاة السابق الذي أعلن اعتراضه علي قانون العيب.. وفي عام2005 اعترض القضاة علي العملية الانتخابية وماجري فيها من عبث وكذلك تعطيل قانون السلطة القضائية لذلك اؤكد أن في مصر قضاة قادرون علي قول الحق. سلطة عاجزة: أما فيما يتعلق بالقضاء كمؤسسة قانونية وتعد احدي سلطات الدولة فهي عاجزة عن أداء دورها لأنها تابعة للسلطة التنفيذية ولدي من الأدلة الدامغة علي صدق ما أقوله.... فعندما يستشري الفساد في البلاد وتكون مهمة القضاء محاربة الفساد فبالطبع يكون هناك عجز من القضاء عن أداء هذه المهمة وعندما يكون القضاء مشرفا علي الانتخابات ويتم تزويرها هنا يكون القضاء أما يكون عاجزا أو شريكا في التزوير وكذلك عندما تجد صور التعذيب المختلفة للمواطن المصري ويظل الكثير في السجون هنا القضاء عاجز أو شريكا أيضا..... وبالأحري فإن كل المساويء التي يعاني منها المجتمع أكبر دليل علي أن القضاء لا يؤدي دوره وعاجز عن أداء مهمته المنوط بها وهي حماية المواطنين وحريتهم. ويؤكد حقيقة غاية في الأهمية فيقول.. لو أن القضاء قادر علي أداء مهمته ودوره في المجتمع ما قامت ثورة25 يناير التي نادت بمحاربة الفساد واسقاط النظام وترسيخ الديمقراطية, وفي هذا الصدد اؤكد والكلام للمستشار مكي أنه لم تكن هناك مؤسسة في مصر مستقلة بل كل المؤسسات بالدولة تابعة للسلطة التنفيذية. استقلال القضاء برجاله: الفقيه الدستوري ابراهيم درويش صرح بأنه توجد16 مادة في القانون تمكن وزير العدل من النفاذ إلي استقلال القضاء.... كيف تري ذلك؟ يجيب قائلا.... وزير العدل هو جزء من السلطة التنفيذية وأداة من أدواتها للسيطرة علي القضاء والصلاحيات الممنوحة له بهدف السيطرة علي القضاء لذلك لا يجوز أن يبقي منصب وزير العدل لإدارة شئون العدالة هذه المسألة من الأولويات المهمة القضاء... فالقضاء عند نشأته في مصر كان هناك قاض يدعي الشيخ محمد عبده يطبق القانون وله مقولة يؤكد فيها أن القضاء لن يستقل الا اذا كانت شئون القاضي في يد مجمع اخواني بمعني يجب أن يكون لكل قاض من القضاة رأي في إدارة شئون العدالة المنوط بها والدفاع عن الاستقلال ولكن للاسف حتي الآن لا توجد مؤسسة في مصر تختص لا باستقلال القضاء ولا بشئون العدالة. هنا تكمن المصيبة المتمثلة في بطء التقاضي الذي يلمسه المواطنون فالقضاء لن يشهد الاستقلال الا إذا عادت شئونه لرجاله. قانون جديد: التقط منه الكلام واستطرد متسائلة: هل نحن بحاجة إلي قانون جديد للسلطة القضائية ولماذا؟ علي الفور يجيب قائلا: لا شك في ذلك فنحن بالفعل في حاجة إلي قانون جديد للسلطة القضائية وكذلك نظرة جديدة لمشاكل العدالة. ففي عام1986 عقد نادي القضاة المؤتمر الأول للعدالة وحضره رئيس الجمهورية وكان يهدف إلي الاستماع لشكاوي المواطنين بدءا من القضاة والمحامين والكتبة وحجاب المحاكم والمساجين ورجال الشرطة وعمال الخدمات... وفي المؤتمر كل طرح رؤاه... كيف تحل مشاكل العدالة؟ هذا السؤال تصاحبه حقيقة مرة ان الانسان في مصر يفتقد العدل... العدل الذي هو سبب وجود الدولة... فكل منا يستطيع تحمل الجوع والعطش والفقر ولكن لا يستطيع أحد منا تحمل الظلم.... ويواصل حديثه قائلا... في هذا المؤتمر اتذكر كلمة رئيس الجمهورية السابق الذي قال.... أعدكم بأن أبذل كل ما أستطيع من جهد في حدود صلاحياتي الدستورية لوضع الحلول التي تتوصلون إليها موضع التنفيذ... ولكن للأسف لم ينفذ هذا الوعد بل انجز عكس ما قاله.. حيث أبقي علي حالة الطواريء وقد طالبناه بإلغاء القضاء العسكري فأصدر قراراته بزيادة اختصاصاته وكان مطلبنا أيضا ضمان نزاهة الانتخابات والاشراف القضائي عليها وما حدث يؤكد عكس ما طلبناه... لذلك أعود وأكرر بأنني في حاجة ماسة إلي رؤية جديدة تتلاءم مع الدولة الجديدة بعد الثورة وتتمثل في قضاء موحد غير ممزق ترأسه محكمة عليا واحدة ويدير شئون القضاة بإجراءات وقوانين تستلهم من ارادة الأمة ثقافتها النابعة من ضمير الناس وليس ارادة الحاكم في شكل أوامر عسكرية وأيضا إجراءات ميسرة وقضاة أكفاء يحسن اختيارهم وتدريبهم وتوفير احتياجاتهم معهد قضائي: ما الطريقة المثلي للالتحاق بالسلك القضائي دون الاخلال بقواعد العدالة وبعيدا عن توريث القضاء؟ يصمت قليلا ويردف قائلا.... هذه القضية تهم كل أفراد المجتمع ومن وجهة نظري لابد من ضرورة وجود معهد قضائي موحد يلتحق به خريجو كليات الحقوق ممن يستوفون شروط العمل بالسلك القضائي من التقدير العام والكشف الطبي وكشف الهيئة وغير ذلك وبعد تدريبهم وتخريجهم في المعهد يكون التعيين بأسبقية الدرجات... هنا ستتحقق العدالة وسنقضي تماما علي الكيل بمكيالين... مشيرا بقوله... لدينا11 كلية للحقوق علي مستوي الجمهورية منها من يقوم بتخريج الدفعات كاملة بتقدير عام أمتياز هل هذا معقول؟!! ومنها من يلتحق بها لتحسين المجموع... من هنا يصبح التقدير الذي يحصل عليه الخريج غير عادل ولا هو المعيار الحقيقي لاختياره في السلك القضائي وبالتالي تضيع العدالة والحل... مؤسسة قضائية أو معهد تكون قراراته بعيدا عن المجلس الأعلي للقضاء والذي سيقتصر دوره فقط علي اختيار من يقع عليه التعيين في السلك القضائي. المحاكمات ليست بطيئة: وبالانتقال إلي أهم مجريات الأمور علي الساحة السياسية حاليا. أسأله...كيف تري محاكمات رموز النظام السابق..هل تتسم بالبطء بالفعل؟ وما رأيك في المطالبة بالاسراع بها؟ يجيب المستشارمكي... أنا لا أري ان المحاكمات تتسم بالبطء اطلاقا علي الأقل في مرحلة المحاكمة التي تتم في الوقت الحالي قد يكون هناك بطء في اتخاذ إجراءات الضبط لبعض الشخصيات مثلما يحدث في قضية نهب القصور الرئاسية ولكن فيما يتعلق بالمحاكمات لا..بل علي العكس أري أنها تتم بصورة طبيعية ويستطرد: من أجل ان تكون المحاكمة عادلة لابد أن تكون المحاكم مؤمنة ودخول المتهمين بها آمن ولكن مايحدث أن هناك العديد من الشخصيات والمسئولين تعرضوا للهجوم من قبل المواطنين أثناء المحاكمة بالاضافة الي أن في مثل هذه القضايا لابد من منح الفرصة كاملة للدفاع للاطلاع علي أوراق القضية التي يصل عدد أوراقها في كثير من الأحيان فوق الألف ورقة وكذلك لابد من تقديم الأدلة والمستندات من قبل المتهمين وهيئة الدفاع..هذا كله يتطلب وقتا كبيرا موضحا بقوله.. عند الإسراع في اصدار الأحكام في مثل هذه القضايا ستكون الأحكام بلا قيمة في نظر العالم بالاضافة الي أن عدم توافر الهدوء والاستقرار قبل المحاكمة ستكون الأحكام محل انتقاد دولي لذلك أري أنه لايوجد بطء في محاكمات رموز النظام السابق. مشكلة سياسية: وأطرح سؤالي..كيف تري المطالبة بوضع دستور للبلاد قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالرغم من أن نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية جاءت عكس ذلك. هذه مشكلة سياسية وليست قانونية حيث يؤكد بقوله..أن هناك من يستخدم العبارات القانونية في غير موضعها...فهذا الأمر هو خلاف سياسي حول موعد اجراء الانتخابات بين القوي السياسية ولكن لايوجد مانع من إجراء الانتخابات علي أن يتم وضع الدستور أما من وجهة نظري فأنا مع مايقوله المجلس العسكري الذي عليه ان يكون علي دراية كاملة بإرادة الأغلبية من المواطنين. ويقول..ان وضع القوات المسلحة الآن غير ملائم لها ولذلك ينبغي الاسراع إلي المرحلة المدنية وهذا يمكن ان يحدث اذا أجريت الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد اتفاق مبدئي قبل الانتخابات علي أن يتضمن الدستور انه لافرق بين مسلم ومسيحي أو ذكر أو أنثي وأن تكون سلطة الرئيس مقيدة ولاتكن طاغوتية وكذلك مدة الرئاسة مقيدة أيضا وعلي القوي السياسية ان تتفق من الان علي ملامح الدستور وأسس أختيار أعضاء اللجنة التأسيسية..وعلي هذا الاساس أقول لامانع من إجراء الانتخابات أولا وهذا أمر غير مستحدث في مصر فهناك العديد من الدول بدون دستور مثل انجلترا واسرائيل تتمتع بالديمقراطية والاستقرار فمن منا يشكك في ديمقراطية انجلترا!!! أقاطعه بسؤالي.. وماذا عن الخلاف المحتدم الأن بين القوي السياسية؟ ... مايحدث الان علي الساحة السياسية هو استخدام القانون في خلافات قائمة بين جماعات سياسية يستخدمون القانون لاذكاء الصراعات لذلك أقول نحن في حاجة للاسراع بقيام دولة مدنية لان الوضع الحالي يشكل خطرا علي الشعب والجيش معا ومن لايشعر بذلك فهو مخطيء وأذكر بأنه كلما طال هذا الوضع زادت الخطورة علي البلاد. الحرية لنجاح الثورة: يقول البعض اننا نضيع الوقت والجهد في التفتيش في أوراق الماضي دون الالتفات للمستقبل هل هذا صحيح؟ يقول المستشار مكي..اذا كنا نريد اكتمال نجاح الثورة لابد أن نطلق يد كل مؤسسة في الدولة أن تصحح نفسها بنفسها لانه من الخطأ ان نستمر في ذات التشكيل السابق فالكل قابع في مكانه والكل يستعد لاداء نفس الأدوار ومن شروط الديمقراطية لابد أن تتفكك السلطة التنفيذية لتصبح كل مؤسسات الدولة مستقلة متحررة كالجامعات والمساجد والكنائس وأجهزة الاعلام والحكم المحلي وغيرها فكلما زادت الهيئات المستقلة في البلاد كان هذا ضمانا للجودة وعدم العودة للديكتاتورية. كراهية الحكام: شهد المجتمع خلال الأشهر الماضية قيام آلاف المواطنين بتقديم آلاف البلاغات للنائب العام رغم أن منها ماهو مرسل كيف يتم ضبط هذا الامر؟ بعد برهة من التفكير يقول..هناك مادة بالقانون تنص علي من تقدم ببلاغ كاذب يتم حبسه بتهمة بلاغ كاذب وإزعاج السلطات ومانشهده الان يدل علي أن الشعب يكره حكامه وهو ذاته الذي كان ينافق حكامه في الماضي..لذلك أقول لايمكن لانسان ينافق أحدا الااذا كان يكره... فبحجم النفاق يكون حجم الكره وأشد الناس نفاقا هو أشد الناس شكاية وغيبة. وفي نهاية الحديث كان للمستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض وعضو المجلس الأعلي للقضاء كلمة ختم بها الحوار قائلا: عار علي الأغلبية ان تخشي منها الأقلية..عار علي كل مسلم أن يخاف من غير المسلمين لأن هذا معناه أنني غير مأمون. عار علي أن يخاف من الشاهد أو الشاكي أو الخصوم..عار علي النخبة المثقفة ان تستعلي علي عموم الشعب وهي تعبر عن أفكارها