لا مراء أن الشاعر الكبير عبدالستار سليم يعتبر استاذ كرسي, فن الاشكال المختلفة لفنون القول الشعبية وهو لم يجلس علي كرسي الاستاذ في هذا الفن ولم يتسم بهذه الريادة من فراغ وإنما وصل إلي هذه المكانة يعد جهد جهيد ومكابدة شديدة ومعاصرة منذ سن الطفولة لهذه الفنون عندما كان يسمع ويستمتع بشعراء الربابة من حفظة السيرة الهلالية وغيرها من السير الشعبية والناس كبارا وصغارا يتحلقونهم في ليالي السحر خاصة المقمرة منها وهو أمر كان شائعا في قري الصعيد الجواني حيث لم يكن هناك في تلك الأيام وسائل ترفية إذاعية وتليفزيونية الا هؤلاء الشعراء الذين يحكون للناس سيرة بني هلال وسيرة أدهم الشرقاوي وسيرة بهية ويس وغير وغيرها وعشق عبدالستار سليم ما يقوله هؤلاء القوالون من أمثال وحكم وأغان وما يتخلل ذلك من مواويل فيها الحكمة والأمثال السائرة فأخذ يسجل عنهم ما يفولون وأصبح كل ذلك هو شغله الشاغل في كل مراحله التعليمية ولم يكتف بذلك بل إنه عاد إلي كتب التراث لينهل منها مثل مقدمة ابن خلدون والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي والطالع السعيد للأقوي وغيرها وعرف منها أن ابن قزمان هو أول من ابتدع نظام التربيع ونظام التربيع هذا هو قولة مكونة من بيتين شعريين أي من أربعة أشطر لها مواصفات خاصة ومن بحوثه ودأبه ومثابرته في التنقيب عن فن الواو استطاع ان يجمع أربعة مجلدات من أفواه الناس والقوالين وبالتالي تمكن من وضع القواعد الخاصة بفن الواو وعن تاريخه وكيفية صياغته فكانت النتيجة مبهرة تمثلت بعد أربعين عاما من الجهد والعرق والتعب والجري وراء الشعراء الشعبيين والتنقيب في أمهات الكتب وتمثل ذلك كله في ديوانه الجديد واو عبدالستار سليم الذي صدر حديثا والذي أهداني نسخة منه تقبلتها بالشكر والإمتنان والدعاء له بالغزير من الإنتاج الشعري في قابل الأيام ولقد أعادني هذا الكتاب إلي ايام الطفولة وليالي الجلوس في حلقة القوال وكيف كان أهل قريتي يتزاحمون حوله وكيف كان يقول الموال ويطلب من السامعين أن يفكوا عقدته ويفسروا قافيته ومازلت أذكر موالا استعصي فكه علي أهل الحلقة وقال الشاعر الشاطر يفك هذا الموال الذي يقول عرب بوادي: ما هم بوادي حلفوا بالله ما هم خلقة الله فلقد عجز الجميع عن حله وفك عقدته وكانوا يقولون في تساؤل أمال هم خلقة مين ما دام مش خلقة الله؟ وقد فسر الشاعر الموال بعد أن وضعت النقطة أي النقوط في طبق أمامه فجمع ليلتها ريال بحاله وكان للريال أي العشرين قرشا في تلك الايام شأن وأي شأن قال الشاعر مفسرا عرب بوادي أي يسكنون البادية ما هم بوادي أي ليسوا من سكان الوادي وحلفوا بالله أن ماءهم الذي يشربونه في الصحراء خلقه لهم المولي عز وجل عبدالستار كان له عند أبناء قنا ومركز نجع حمادي مكانة خاصة فهو واحد من مفاخر المركز ومحافظة قنا ورمز من رموز الشعر فصيحا وعاميا وكاتبا للاغاني وهو يقف شامخا إلي جانب مجموعة من أبناء قنا نبغوا في شعر العامية وكتابة الأغاني الأبنودي ودنقل وعبدالرحيم منصور وغيرهم ولا أنسي مآثره معي عندما كان يؤازرني بشدة في معاركي الانتخابية وهو واحد من رجالات التربية والتعليم في محافظة قنا بدأ مدرسا وانتهي وكيلا للوزارة للتربية والتعليم في قنا ومؤلفاته الشعرية كثيرة ومتعددة والعجيب أنه خريج كلية العلوم قسم الرياضة البحتة وكنت أظنه خريج دار العلوم أو خريج قسم اللغة العربية من كلية الآداب وقد سعدت به وسعد معي أبناء قنا وكذلك قراؤه ومحبوه علي مستوي الجمهورية عندما فاز سنة2005 بالجائزة التشجيعية في الآداب ونحن في إنتظار فوزه بالتقديرية إن شاء الله أما واو عبدالستار فانني أزعم أن من سيقرأها فإنه سيجد فيه متعة أدبية وذهبية لا تضاهيما أيه متع أخري.