ظلت الأصوات في أماكنها لم تغادرهم.. فكروا فيها بهدوء وروية.. لم تخذلهم عقولهم ولانت الأمور فالعزيمة قوتها لا توصف.. والإرادة صنعتهم.. إنهم أصحاب البصيرة.. ممن حرموا نعمة البصر ورزقوا الاستبصار. .امتلكوا ناصية التحدي والظروف هم من طوعوها.. مكفوفون ولكنهم أصحاب فضل وحملة لواء العلم في أكثر من ميدان حتي أن العالم خصص لهم أسبوعا للاحتفال بهم االيوم العالمي للمكفوفين والعصا البيضاءب في ال11 من نوفمبر كل عام.. وفق سيمفونية التحدي شاركهم أقرانهم ممن حرموا السمع والكلام المنافسة في قهر الاستيعاب البطيء والحاجة إلي المشاهدة بأعينهم حتي يتسني لهم ترجمة ما يصل إلي إدراكهم من إشارات.. فالصم والبكم, أشد وأصعب إعاقة حسب الخبراء في التواصل والاندماج بالرغم من وصفهم بالذكاء الشديد والموهبة. هؤلاء وغيرهم من امتحدي الإعاقةب من أهلنا وناسنا وأبنائنا لا يكفيهم التحية والإعجاب والتصفيق وتقلد الميداليات ورفع الكؤوس.. وإنما تحقيق رغباتهم والمؤازرة والمساندة.. ربما توفي جزءا من حقوقهم علي المجتمع المدني ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة.. عرفوا منذ البداية أنهم امختلفونب لم يسكنوا أو يستسلموا.. جمعوا بين التحدي بالمستحيل.. الإرادة والأمل ورفعت أدعيتهم ملائكة السماء.. وخضعت الصعاب بالإصرار والعزيمة.. وبالعرق جاء الانتصار متوجا ليالي وشهورا وسنوات من العرق والجهد.. وقبلوا قدرهم دون تذمر أو اعتراض ومارسوا حياتهم بإخلاص.. ولم ينجحوا فقط بل تفوقوا وسارت حياتهم بمرها وحلوها وحلق علم مصر عاليا في المحافل الدولية بعد المحلية.. اشتكي الأبطال في هذا الملف ل االأهرام المسائيب..من تجاهل الإعلام والمجتمع المدني لهم.. بالرغم من رفرفة العلم الوطني حول هاماتهم علي رؤوس الأشهاد في المحافل الدولية ومنهم من سلك طريقه وحده بعزيمته وإرادته ودعاء الوالدين والأقارب بالكد والتعب من غير أي اعتمادات أو مساعدات من الاتحاد الرياضي التابع له.. ومنهم من لم تمكنه الظروف من التأهل للبطولات لافتقاره الاعتماد والتمويل اللازم.. أو لتخلي المسئولين عنه. أصحاب البصيرة نماذج مشرفة بالإسماعيلية شاهدوا ببصيرتهم ما لا يراه غيرهم..توحدوا مع عالمهم الخاص وتصالحوا مع أنفسهم فسكن الاطمئنان قلوبهم..ولأنهم اصحاب بصيرة انتصروا علي العجز وأخضعوه لإرادتهم فحق لهم النجاح.. .. ومن النماذج المشرفة أصحاب الإعاقة البصرية بالإسماعيلية الأكثر حظا بين أقرانهم علي مستوي محافظات الجمهورية للمميزات المتوفرة لديهم من وجود مدرسة تستوعبهم بمرحلها التعليمية المختلفة وملحق بها جناح للإقامة والإعاشة فضلا عن جمعية المستقبل التي يجتمعون داخلها لممارسة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية.. الأهرام المسائي التقت نموذجين رائعين من بينهم وتحدثوا بصراحة مطلقة خلال السطور التالية.. تقول أحلام جلال, معلم كبير ووكيل مدرسة النور للمكفوفين: إنها تشعر بالسعادة الغامرة في عملها مع شريحة من المجتمع الإسماعيلاوي فقدت بصرها لأنها واحدة منهم حيث تعرضت لهذه الإعاقة وعمرها ثلاث سنوات عندما أصيبت بالحمي الشوكية وأصر والداها علي انخراطها مع الأسرة والتدرج في مراحل التعليم حتي تخرجت من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الزقازيق عام1982 وتم تعيينها في منشأتها التعليمية الحالية.. أضافت أحلام أن مدرسة النور للمكفوفين أنشئت عام1981 وتعد الثالثة علي مستوي الجمهورية لأنها تضم مراحل التعليم الثلاث الابتدائي والإعدادي والثانوي وملحق بها جناح داخلي للإقامة والإعاشة لأبناء الإقليم والوافدين عليها من أماكن متفرقة.. وقالت: نحن نحرص دوما علي تخريج دفعات متتالية منهم يحرص علي دخول الجامعة ومنهم من يفضل الاتجاه للتعيين بوظائف حكومية إذا صادفهم الحظ في وجودها. وتشير وكيل مدرسة النور للمكفوفين إلي أن عدد من أبناء المدرسة من بينهم الثنائي إسلام صابر وعمرو لبيب بعد تخرجهما من الجامعة حرصا دوما علي التجول بين محافظات مصر لتدريس الكمبيوتر لزملائهما بالمجان دون الحصول علي أجر لإدراكهما أنهما الأقرب لفكرهما وأسلوبهما وطريقة التعامل المختلفة عن غير المبصرين وحققا نجاحات لا بأس بها وهما من النماذج المشرفة التي تحتاج للتكريم من الدولة. وتوضح أنها اخترعت مازورة مكفوفين برايل لأعمال الخياطة وقياس الملابس وسجلت باسمها عام79 واستخدمت في الكثير من دول العالم بالتنسيق مع زميلتها مني سعيد مدرسة الاقتصاد المنزلي بمدرسة المكفوفين فضلا عن تطويع المصحف الإلكتروني بوضع أرقام البرايل علي الآيات حيث يستعملها الكفيف مثل المبصر بسهولة وأنه تم اختيارها في بعض البرامج بالقنوات الفضائية لشرح هموم ومشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة من الغير مبصرين في محيط المجتمع الذي يعيشون داخله. وقالت: ننتظر من الدولة نظرة للمكفوفين وباهتمام أفضل مما هو عليه الآن وتقدم لهم إعانة مالية للتكلفة التي يتكبدونها في تنقلاتهم عن طريق المواصلات أو عند الخروج لشراء الاحتياجات اللازمة من الأسواق وأن يكون هناك امتياز لفاقدي البصر في مشروعات الإسكان الاجتماعي بتخصيص الوحدات السكنية بالأدوار الأرضية بالتقسيط لتأمين مستقبلهم المعيشي. وفي السياق نفسه قالت وفاء سليمان, معلم أول اللغة الإنجليزية بمدرسة النور وسكرتير جمعية المكفوفين: إنها فقدت بصرها عند ولادتها ولم تشعر بهذه المعاناة في بداية حياتها حتي التحقت بالتعليم وتخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الزقازيق وحصلت علي دبلوم البحوث الآسيوية والتحقت بمنشأتها التعليمية الحالية والتي تشهد أجمل أيام حياتها للانخراط داخلها مع الطلاب وزملائها الذين تعتبرهم عائلتها الكبيرة بجانب أشقائها الأربعة بعد وفاة والديها. وتضيف أنها تعشق الفن منذ صغرها وشاركت من قبل في أعمال مسرحية كثيرة وحصلت علي ميداليات وشهادات تقدير داخل مصر وخارجها خاصة من تونس فضلا عن تمثيلها فيلم العزف علي أوتار الحواس وهو روائي قصير مدته نصف ساعة من إخراج المغربي عزيز مكروم قصة وسيناريو وحوار عبد الباسط عزب وتصوير الدكتور محمد بيومي ومحمد الخطيب من فلسطين وشاركها البطولة محمود صلاح وأحلام جلال وأحمد قاسم وتم عرضه في العديد من الدول العربية. وتشير وفاء سليمان إلي أن طموحاتها أن تقدم برنامجا تليفزيونيا في إحدي القنوات الفضائية أسبوعيا عن حياة المكفوفين وكيفية تغيير نظرة المواطنين إليهم واحترام آدميتهم ومساعدتهم لكي يعيشوا حياة طبيعية وينخرطوا بينهم في مختلف الأعمال لأنهم قادرون علي العطاء والإنتاج وخدمة الوطن في أي موقع يشغلونه لأن من بينهم الحاصلين علي أعلي الدرجات العلمية فضلا عن المهنيين الذين يجيدون حرف الكهرباء والسباكة وغيرها. وتؤكد أن العصا البيضاء التي يستند إليها الكفيف لا تحترم في مصر مثل باقي الدول الأخري.. وهناك تقدير لكل من يمسك بها في الخارج أثناء سيره في الطرقات العامة أو استقلاله للمواصلات وارتياده للأسواق والمحال التجارية لكن شريحة من المبصرين يسخرون منها خاصة الأطفال والغلمان والشباب أيضا ويصل الإحراج الشديد الذي يتعرضون له عند قيام البعض بإعطائهم المال كهبة. علي الجانب الآخر أكد حسنين بدران, رئيس جمعية المستقبل للمكفوفين بالإسماعيلية, أنه يحرص دوما علي تلبية احتياجات الأعضاء في حدود الإمكانات المتوافرة لديه حتي لا يشعروا بأي مشاكل نفسية قد تؤثر سلبا علي حياتهم المعيشية. وقال: إن جمعية المستقبل للمكفوفين تضم150 عضوا يمارسون داخلها أنشطتهم المختلفة في أجواء جميلة ورائعة ولدينا المواهب التي حصلت علي جوائز وميداليات وشهادات تقدير علي الصعيد المحلي والخارجي وبينهم الممثلة المسرحية وفاء سليمان وفريق كرة الجرس الحاصل علي المركز الثالث في بطولة كأس مصر العام الماضي. وأضاف أن قانون الرياضة الجديد استبعد الجمعيات من المشاركة في الألعاب الفردية والجماعية بالاتحادات المختلفة ولا بد من إعادة النظر في هذا الأمر الحيوي الهام حتي لا نحرم أعضاءها من ممارستها والتفوق فيها وأعتقد أن نواب البرلمان قادرون علي تصحيح أوضاعهم بالتنسيق مع وزير الشباب والرياضة. وأشار بدران إلي أنه لا بد من سرعة تعيين المكفوفين بالوظائف الحكومية حتي يستطيعوا أن يعيشوا حياة كريمة مع تخصيص إعانة مالية شهرية لهم وذوي الاحتياجات الخاصة وهذا التوجه الحميد لو تم دراسته جيدا وتفعيله سوف يكون له أثر فعال لدي هذه الشرائح المختلفة من أهلنا وناسنا بالمجتمع. وأوضح أن دور رجال الأعمال والشركات الخاصة للتبرع لجمعيات المكفوفين علي مستوي الجمهورية.. هام جدا ومؤثر لكي تؤدي دورها علي أكمل وجه في شتي المجالات التي تحتاج بالفعل للسيولة المالية التي لا يستطيع أحد توفيرها بسهولة فضلا عن ضرورة دمج غير المبصرين في المدارس مثلما يحدث حاليا في المعاهد الأزهرية لإبعادهم عن العزلة.