لم يعد إحصاء الحرب اليمنية قابلا للاستطالة مثلما رسمته قبل عامين موازين القوة و حقائق التاريخ والجغرافيا,التي شكلت بدورها خطوط تماس في غاية الصلابة, تمكنت من خلالها الشرعية وما تمثله من شبكة تحالفات أن تبسط سيطرتها علي مناطق الجنوب اليمني( وفق حدود التقسيم السابقة للعام90), إضافة إلي محافظتي مأرب والجوف شرق البلاد. في حين تمركزت جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق صالح ضمن حاضنتها الشعبية في مناطق الشمال( المعروفة بوعورة تضاريسها وبنية سكانها القبلية), إضافة إلي محافظة الحديدة آخر المدن الساحلية والحيوية التي مازالت في قبضة تحالف صنعاء. وخلال فترة الركود العسكري والسياسي عمد جميع اللاعبين المحليين والإقليمين إلي تثقيل ميزانهم العسكري ومراكمة مزيد من القوة والسلطة. ما استولد فائض قوة لدي جميع الفاعلين, عجزوا عن توجيهه لإحداث أي اختراقة نوعية في صفوف الخصوم التقليدين, فترجم نفسه علي شكل تصدعات داخلية وصراعات بينية يعيشها الحلفاء داخل المعسكر الواحد. تلك علي وجه التحديد هي ثنائيات الحرب اليمنية بأوجهها الثلاثة:( الحوثي-صالح) و(الحراك الشرعية)( السعودية- الإمارات), والتي يمضي أصحابها من وقت إلي آخر للتعبير عن أنفسهم بمنتهي الوضوح والصراحة, متجاوزين بذلك ما درج من مجاملات سياسية متبادلة فرضتها حقبة تحالفات الضرورة. السعودية والإمارات.. من التنافس إلي التكامل في مارس2015 قررت الرياض أن تكاشف كل أخوتها العرب بهول الخطر الداهم الذي يتهدد أمنها القومي, ووضعهم جميعا أمام الأمر الواقع وهي تختبر فاعلية قيادتها الجديدة التي قررت أن تخوض حربا لاستعادة الشرعية في اليمن, بعد أن بلغت مفاعيل الانقلاب الحوثي ذروتها باجتياح الجنوب وإجبار الرئيس الشرعي علي الهروب باتجاه السعودية. بمنطق انقضوا أو انفضواب وصف الأستاذ محمد حسنين هيكل دعوة الملك سلمان لإطلاق عمليات التحالف العربي التي جاءت امتدادا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك. وبفعل الضغوطات والحرج انقضت معظم الدول العربية وإن كان بشكل رمزي لتنخرط في مجريات الحرب( التي كان يفترض بها أن تكون سريعة وخاطفة لكنها اليوم تدخل عامها الثالث وتمضي نحو مزيد من التعقيد). مع الوقت بقي مسمي االتحالف العربيب جزءا من الخطابة الإعلامية المؤيدة لعمليات اعاصفة الحزمب, أما حقائق الميدان فأثبتت ان االمملكة العربية السعوديةب وادولة الإمارات العربية المتحدةب هما الطرفان الأصيلان والمنخرطان عمليا في مخاطر وحسابات هذا الصراع, والمستعدتان لدفع أثمانه بالمال والسلاح والدم. الخطر الإيراني والتقارب الاستراتيجي علي مستوي سياسيات المنطقة; وفرت أرضية مقبولة للتعاون العسكري الإماراتي-السعودي الأول من نوعه, لكن أهدافه واستراتيجيته المتعلقة باليمن ظلت ملتبسة وغير واضحة, واكتفت علي المستوي الرسمي بتكرار شعارات الدم العربي الواحد وخطر سقوط رابع عاصمة عربية بيد طهران. بعد نجاح عمليات السهم الذهبي, والتي جري علي أثرها تحرير العاصمة المؤقتة عدن وبقية مدن الجنوب, بدا وأن التعاون العسكري يأخذ أيضا مفاعيله السياسية من خلال حزمة تعيينات دفعت بها الرياض داخل الشرعية لمكافأة وتطمين أبوظبي. منها علي سبيل المثال تعيين المهندس خالد بحاح نائبا لرئيس الجمهورية إلي جانب منصبه كآخر رئيس وزراء شرعي جاء بمصادقة البرلمان. وكذلك إقالة الرئيس هادي محافظ عدن الذي عينه أثناء الحرب, وهو نائف البكري المقرب من الإصلاح, وعين عوضا عنه اللواء اجعفر سعدب المحسوب علي الإمارات, وبعد أن جري اغتيال المحافظ النشيط والمتمكن, ضغطت الرياض وأبو ظبي لتعيين عيدروس الزبيدي محافظا للمحافظة واشلال علي شائع مديرا لأمنها, وهم الآن أقرب حلفاء محليين لها في الجنوب. التعاون الوثيق بين الطرفين حكمته متطلبات اللحظة: فالإمارات تمثل القوة الأنجح والأكثر استعدادا للانخراط في الصراع من باقي المنظومة العربية, في حين تمثل السعودبة بوابة النفوذ الأوسع لتلبية طموحات أي طرف راغب بلعب دور مستقبلي في اليمن.. وبعكس التعيينات التي جاءت بغرض التطمين وتوثيق التحالف, فإن قواعد اللعبة لم ترتسم بشكل واضح بين اللاعبين الخليجيين لا من جهة العلاقة التي تجمعهما, ولا من جهة تصورهم النهائي لما يريدانه في اليمن. وعليه مضت الرياض تلعب بما توافرت عليه من أدوات سياسية تقليدية امتلكت لعقود مفاتيح استقطابها وتوجيهها, في حين عمدت الإمارات للنزول مباشرة إلي الميدان كي تتثبت مواقعها العسكرية مع كل تقدم جديد تنجزه دون الركون علي أدوات الشرعية. وبعدما تكبدت أبوظبي خسائر جمة من معاركها في الشمال, قررت أن تلقي بكامل ثقلها العسكري جنوبا ولاسيما علي طول السواحل اليمنية, وبناء علي ما مرت به من منعطفات حادة في الميدان, نضجت الإمارات تصوراتها لطريقة العمل الجديد والتي جعلتها أقرب إلي اواشنطنب من الرياض. من الالتباس إلي التنافس أبريل من العام2016 كان محوريا في تغيير العلاقة بين الحليفين, إذ بدت أبو ظبي أقرب في توجهاتها إلي السياسية الأمريكية التي قررت الرياض بشكل أو بآخر تحديها من خلال عاصفة الحزم وتدخلها المباشر في اليمن. التواجد الإماراتي المستدام وبقدر ما يحفظ جزءا من حظوظه بالتقارب مع السعودية, فإنه لا يتحقق تماما إلا بوجود المظلة الأمريكية التي رأت في القوات المسلحة الإماراتية كيانا عسكريا أكثر كفاءة وجاهزية لمكافحة الإرهاب جنوبا بخلاف جارتها الكبري التي تتورط بالتحالف مع جماعات متطرفة لمواجهة الحوثيين وصالح. وفعلا تحولت بوصلة الجهد العسكري الإماراتي إلي مكافحة الإرهاب وجري الإعداد عمليا لبدء تحرير مدينة المكلا شرق البلاد من قبضة تنظيم القاعدة.. هذا كان يعني من جهة انضواء أبوظبي في سياق عقيدة أوباما التي أثرت سلبا علي موازين الإقليم وصبت في مصلحة طهران, وبينما ظلت الرياض مصرة علي جر حليفتها لحسم معارك صنعاء, أخذت أبوظبي تقنع جارتها بضرورة تأمين عدن, حتي جاء تصريح وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية أنور قرقاش ليقول بصريح العبارة إن مهام القوات الإماراتية الحربية انتهت تقريبا وإن مهمتها تدعيم الشرعية في المناطق المحررة. من جهة أخري فإن تحرير المكلا كان يعني مد النفوذ الإماراتي إلي أقصي الشرق اليمني بما يمثله من أهمية جيواستراتيجية, وتلك خطوة ترجح موازين القوي وزمام القرار الاستراتيجي لمصلحة أبناء زايد, وهو ما قررت الحكومة اليمنية أن تستبق حدوثه بإقالة المهندس بحاح من منصبه كنائب للرئيس وتعيين عوض عنه علي محسن الأحمر الذي هو بمثابة عدو لدود لها, وتعيين أحمد عبيد بن دغر ارجل صالح سابقا ورجل الرياض حالياب رئيسا للوزراء, وكانت تلك أول صفعة سياسية دشنت حالة الكباش السياسي بين أبو ظبي والرياض. ومع إقصاء الإمارات من مقاعد الشرعية, ذهبت الأخيرة إلي تثقيل قوتها العسكرية تارة بإنشاء قوات ما عرف بالحزام والنخبة, وتارة أخري بتأسيس قواعد عسكرية لها علي طول السواحل اليمنية. تعاون عسكري و انفجار وشيك برحيل إدارة أوباما كانت الإمارات قد حررت معظم المدن الجنوبية من قبضة تنظيم القاعدة, ومع صعود ترامب وما تبناه من سياسات مزدوجة قررت مواجهة الإرهاب التكفيري وكذلك مواجهة أذرع إيران بالمنقطة, انتفت عناصر الخلاف السعودي الإماراتي التي ألقت بظلالها علي خطوط التماس المجمدة, ومع مطلع العام2017 بدأت عمليات الرمح الذهبي علي طول الساحل الغربي بدءا من باب المندب ووصولا إلي المخاء, وتلك كانت أهم نقلة نوعية في مسار المواجهات منذ تحرير مأرب. لكن الاندفاع الإماراتي وإن لبي أهداف الرياض, فإنه جاء بشروط أبوظبي التي قررت الاستعانة بحلفائها الجنوبيين( من مسلحي الحراك الداعي إلي الانفصال أو من الكتلة السلفية) لحسم معارك واقعة في المحافظات الشمالية, وهو ما ثار حفيظة كثير من اللاعبين المحليين القريبين من الرياض, في مقدمتهم حزب الإصلاح والرئيس هادي. وهنا بدأت مرحلة جديدة من الصراع السياسي الذي تمظهر أولا من خلال أزمة مطار عدن, قبل أن تبلغ الأزمة ذروتها بإقالة عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن ومن ثم إقالة أربعة محافظين بسبب انحيازهم للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلنه عيدروس في ما عرف بإعلان مايو التاريخي, وهذا ما مثل منعطفا جديدا لشكل العلاقة بين الحراك وأبوظبي من جهة وبين الشرعية والرياضوأبوظبي من جهة أخري. وعوضا عن كون الإمارات شريكا أصيلا في تركيبة الشرعية اضطرت إلي أن تدفع ظهيرها المحلي لتشكيل كيانه السياسي المستقل المطالب بالانفصال, والذي وفر لها مشروعية سياسية في الجنوب, مع احتفاظها بموقعها الثابت من عمليات التحالف العربي ومعاركه في الساحل الغربي. إذ إن دورها هناك يتعدي مجرد الانفعال بالتفاعلات المحلية اليمنية وينسحب علي صراع المحاور الذي تشهده المنطقة, ومن خلال مراقبة التواجد الإماراتي اللافت في إريتريا واليمن يمكن معرفة ما تقوم به من دور محوري بنقل حوض البحر الأحمر من نفوذ محوري إيران وتركيا إلي محور الاعتدال العربي. وبرغم صراع المحاور, فإن ديناميات الوضع المحلي, ولاسيما جنوبا ظلت تنبئ بانفجار وشيك, وعاش التحالف الثنائي أصعب أيامه بعد أن خرجت كل خلافته إلي السطح, غير أن متغيرات إقليمية فاعلة دخلت علي المشهد وغيرت كل شيء. من التنافس إلي التكامل كان شهر يونيو المنصرم حاسما في تجذير التعاون الاستراتيجي بين الرياض وأبو ظبي, وذلك علي خلفية ما تفجر من أزمة مفاجئة بين الرباعية العربية وبين قطر, وهي ما ألقت بظلالها علي علاقة الحليفين اللذين اتجها نحو مزيد من التنسيق, وبات رفضهما للدور الإخواني والقطري والتركي في اليمن مسلمة لا تقبل الجدال. أما الحدث الأشد تأثيرا خلال هذا الشهر, فكان تنصيب الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد بدلا عن الأمير محمد بن نايف, وهو المنتمي للحرس القديم الذي اعتاد الاستفراد بالملف اليمني وإدارة تناقضاته بالطريقة التقليدية من خلال قوائم اللجنة الخاصة, دون الاستئناس لأي شريك محلي أو إقليمي. ولم يعد الهمس الدائر عن تطابق الأفكار الذي يجمع ما بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان, محل شك اليوم, بقياس تداعيات صعود القيادة السعودية الجديدة علي علاقة الحليفين.حيث جري توزيع المهام بشكل سلس ومتكامل مع مراعاة أولويات وقدرات كل طرف. الإمارات اعتنت بملف إدارة الجنوب واحتواء قوي الحراك ومواجهة الإرهاب والإخوان واستكمال معارك الساحل الغربي وتأمين الممرات الدولية وحوض البحر الأحمر. أما المملكة السعودية فمهمتها تشمل إدارة الملف السياسي للأزمة اليمينة وكذلك عقلنة وتوجيه الشرعية والحكومة اليمنية ودعم معارك الشمال والشرق اليمني والحدود الجنوبية السعودية, وأخيرا وهو الأهم التفرغ لقيادة التحولات الداخلية من خلال دعوات الإصلاح الاقتصادي والثقافي وكذلك التفرغ لإدارة تحولات المنطقة بكل ما تشتمل عليه من مواجهة لإيران واستقطاب للعراق ومناورة في سوريا وصفقة القرن مع إسرائيل.