تتهم الشعوب العربية واشنطن بالازدواجية وتناقض المواقف, فمن ناحية كانت واشنطن تدعي دعمها للحريات والديمقراطية إلا أنها في الواقع كانت تدعم حكومات تسلطية ديكتاتورية كما هي الحال بالنسبة لمصر وتونس وغيرهما من الدول العربية. وقد حاولت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الضغط علي بعض الأنظمة العربية من أجل إحداث إصلاح ديمقراطي بعد أن أعلنت هذه الإدارة أن غياب الديمقراطية عن الشعوب العربية هو سبب تفريخ الإرهابيين. وأكدت كونداليزا رايس, وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومي السابقة, مرارا أن الولاياتالمتحدة كانت تختار دعم الاستبداد من أجل تحقيق الاستقرار إلا أنها لم تحصل عليه. لذا رأت إدارة بوش أن حصول العرب علي الديمقراطية كفيل بحماية أمنها الوطني, إلا أن فوز قوي إسلامية في انتخابات فلسطين ومصر ولبنان والعراق أدي لتراجع واشنطن عن المناداة بالديمقراطية العربية. ولم تمثل إدارة أوباما أي استثناء عما سبقها غير أنها تغلف موقفها بمزيد من الدبلوماسية العامة. فمن ناحية, تعلن أنها تؤيد مطالب الثوار في الديمقراطية, لكنها من ناحية ثانية لم تخاطر بعلاقاتها القوية مع نظم الحكم الاستبدادية في الدول العربية. ولقد اتبع أوباما بوضوح هذا النمط في حالتي تونس ومصر, فرغم مطالب الكثيرين من أوباما بأن يتخلي عن تحالفه مع النظام المصري من أجل تحالف جديد مع الشعب المصري, إلا أن إدارته انتظرت حتي تيقنت من رحيل مبارك, قبل أن تعلن وقوفها مع مطالب الشعب المصري. والحال نفسه تكرر قبلا مع نظام بن علي. غير أن اتساع نطاق الثورات العربية وامتدادها لليمن والبحرين وسوريا وليبيا, أجبر واشنطن علي ضرورة إعادة النظر في موقفها, خاصة بعدما امتدت هذه الثورات والاحتجاجات إلي دول حليفة ومهمة مثل البحرين التي تحتضن الأسطول الخامس الأمريكي, واليمن باعتبار نظام علي عبدالله صالح حليفا لها في محاربة الإرهاب. علي هذه الخلفية, يمكن تصنيف الإستراتيجية الأمريكية من الثورات العربية إلي ثلاث فئات: الفئة الأولي: موجهة أساسا إلي مصر وتونس, حيث نجحت الثورتان هناك بطرق سلمية, رغم وقوع بعض الضحايا, وتم القضاء علي النظامين الحاكمين, والبدء في اتخاذ خطوات تجاه بناء دولة ومجتمع ومؤسسات ديمقراطية. ففي هذه الحالة تحاول الولاياتالمتحدة من جهة دعم بناء الديمقراطية الناشئة فيهما, ومن جهة أخري المحافظة علي نفوذها التقليدي هناك, إلا أن أهم ما يميز أهداف واشنطن هو احتواء هذه النظم الديمقراطية الوليدة, وعدم السماح بتغيير كبير في السياسات, والاكتفاء بتغيير بعض رموز نظم الحكم. الفئة الثانية: موجهة لليبيا واليمن, إذ أقرت واشنطن فيهما بضرورة تغيير النظام بعدما بدا لها أن حاكمي الدولتين معمر القذافي وعلي عبدالله صالح قاما بعمليات عنف منظم وغير مبرر ضد شعبيهما, وأن بقاءهما أصبح جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل, فتدخلت واشنطن عسكريا ضد القذافي وتضغط حاليا بشدة من أجل تنحي عبدالله صالح. الفئة الثالثة: دول لا تزال واشنطن تأمل في الإبقاء علي نظم الحكم فيها مع إدخال بعض الإصلاحات الضرورية, ومن هذه الدول: البحرين والمغرب والأردن, وركزت واشنطن في حديثها مع هذه الدول علي أهمية التعامل بجدية مع الإصلاحات, وتجنب نشوب صراعات ونزاعات داخلية حادة. تبقي سوريا غير الحليفة للولايات المتحدة, فتعتمد واشنطن في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية هناك علي عدم المطالبة برحيل نظام بشار الأسد في المرحلة الأولي, والاكتفاء فقط بإدانة استخدام العنف, والتأكيد علي حق السوريين في التظاهر السلمي, مع انتظار تبدل موازين القوي بين السلطة والمحتجين. من مقال لمحمد المنشاوي بعنوان واشنطن وثورات العرب في موقع تقرير واشنطن علي الإنترنت.