علامات استفهام كبري تدور حول العلاقات الإيرانية الإسرائيلية, وما إذا كانت علاقة عداء صريح أم تحالف إستراتيجي بين البلدين القائمين علي أساس ديني إذ يمكن القول أن إيران وإسرائيل هما الدولتان الوحيدتان اللتان تقدمان هويتهما الدينية علي أي هوية أخري, الأولي تعتبر نفسها حامي حمي الشيعة في العالم, والثانية قامت علي أساس تجميع الشتات اليهودي في كيان سياسي واحد فوق الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. التحليل السياسي المجرد المبني علي التصريحات العدائية التي يدلي بها المسئولون الإيرانيون والإسرائيليون تجاه بعضهما البعض يؤكد أن حربا وشيكة يمكن أن تشتعل في أي لحظة بين البلدين, وأن حربا أخري تدور رحاها بين أجهزة الاستخبارات الإيرانية والإسرائيلية وراء الكواليس لاصطياد ما يمكن من عملاء سريين لكليهما بتهمة التجسس للإضرار بالمصالح الأمنية لكل منهما, بينما تكشف بعض التقارير الصحفية التي تنشرها صحف الاحتلال الإسرائيلي من وقت لآخر أن الأمر مختلف تماما, وأن كل التصريحات العدائية المتبادلة بين مسئولي الدولتين ما هي إلا حالة متعمدة من الخداع الإستراتيجي لتحقيق مصلحة البلدين معا. صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نشرت تقريرا تقول فيه إن حجم الاستثمارات الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية يزيد علي ال30 مليار دولار, وإن أكثر من200 شركة إسرائيلية لها علاقات تجارية مع إيران أغلبها شركات نفطية تستثمر في مجال الطاقة داخل الجمهورية الإسلامية, وإن عدد الإسرائيليين من أصل إيراني يتجاوز ال200 ألف يهودي يتلقون تعليماتهم من مرجعهم في إيران الحاخام الأكبر يديديا شوفط المقرب من حكام إيران, وقائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري, وهؤلاء لهم نفوذ واسع في التجارة والأعمال والمقاولات العامة والسياسة ونفوذ أكبر في قيادة جيش الاحتلال. وفي الوقت الذي تحظر فيه السلطات الدينية في إيران علي الإيرانيين السنة وعددهم يزيد علي ال25 مليون سني إيراني الصلاة في أو بناء مساجد لهم في طهران وفي المدن الإيرانية الكبري يزيد عدد المعابد اليهودية في طهران وحدها علي ال200 معبد يهودي! وليس من قبيل النميمة السياسية القول إن حلقة الوصل بين إيران كدولة وبين الحاخامات اليهود داخل إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية هو حاخام إيران أوريل داويدي سال, وأنه من بين يهود كندا وبريطانيا وفرنسا يوجد17 ألف يهودي إيراني يملكون شركات نفطية كبري وشركات أسهم ومنهم أعضاء في غرفة مجلس العموم البريطاني اللوردات. والعلاقة الحميمة بين ملالي طهران وحاخامات إسرائيل ليست مبنية علي اتفاق ديني أو مذهبي, أو علي وحدة العقيدة بينهما, ولكنها قائمة علي المصالح المباشرة التي تحققها من ورائها, فإيران تستفيد من يهودها المقيمين في الولاياتالمتحدة عبر توظيف اللوبي اليهودي في الضغط علي الإدارة الأمريكية لمنع ضرب إيران مقابل ما تقدمه هي للشركات اليهودية, فمن بين اليهود الأمريكيين12 ألفا من أصول إيرانية يشكلون رأس الحربة في اللوبي اليهودي ومنهم أعضاء في الكونجرس الأمريكي بغرفتيه النواب والشيوخ. يذكر أن الإسرائيليين من أصول إيرانية لهم إذاعات تبث من داخل الأراضي المحتلة, منها إذاعة راديس التي تعتبر إذاعة إيرانية خالصة كما توجد في إسرائيل إذاعات تقوم علي التمويل القادم من الجمهورية الإسلامية. وفي داخل إيران نفسها يوجد ما يقدر ب30 ألف يهودي علي الأقل يضعون الجمهورية الإسلامية في الترتيب الثاني مباشرة بعد إسرائيل بين الدول التي تضم تجمعات كبيرة لليهود خارج دولة إسرائيل, لهم أقاربهم المقيمين في إسرائيل ولم يقطعوا تواصلهم معهم. أما في إسرائيل فيرجع أصل أكبر الحاخامات اليهود إلي أصفهان, وهم يتمتعون بنفوذ واسع داخل المؤسسات الدينية والعسكرية في الدولة العبرية, ويرتبطون بإيران من خلال حاخام معبد أصفهان. تجدر الإشارة إلي أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب كاديما المتطرف شاؤول موفاز إيراني الأصل من يهود أصفهان, الذي هاجر مع أسرته إلي الكيان الصهيوني في عام1957, وهو من أشد المعارضين داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي لتوجيه ضربات جوية لمفاعلات إيران النووية. كما أن الرئيس الإسرائيلي السابق الذي حكم عليه بالسجن في قضية تمس الشرف موشيه كاتساف إيراني أيضا من يهود أصفهان وكانت تربطه علاقات ودية وحميمة مع نجاد وخامنئي وقادة الحرس الثوري لكونه من يهود إيران. ليس هذا فقط, فيهود العالم يحجون إلي إيران, ويحرصون علي زيارة ضريح بنيامين شقيق نبي الله يوسف عليه السلام, ويفوق حبهم لإيران انتماءهم لإسرائيل, وحبهم المفتعل لمدينة القدسالمحتلة, لأنهم يعتبرونها دولة شوشندخت الزوجة اليهودية الوفية للملك يزدجرد الأول ولها مقام مقدس يحج إليه اليهود من كل العالم. وإيران بالنسبة لليهود هي أرض قورش مخلصهم وفيها ضريح استرومردخاي المقدس وفيها توفي النبي دانيال ودفن النبي حبقوق وكلهم أنبياء مقدسون عند اليهود. ربما تفسر هذه الأمور كلها علاقة الود والتفاهم الخفي بين الدولتين الدينيتين, رغم ما يعلنانه من خصومة وعداوة تمثيلية تنطلي أحيانا علي بعض المحللين الموضوعيين ممن ليست لديهم خلفيات كافية عن علاقاتهما السرية, وتعد إجابة مباشرة علي سؤال يطرح نفسه بقوة عن أسباب إبقاء إسرائيل علي الزعيم الشيعي اللبناني الموالي لإيران حسن نصر الله رغم أن مقاتلاتها تحوم فوق بيته في ضاحية بيروت الجنوبية بينما في فلسطين تقتل قادة المقاومة حتي لو كانوا داخل المساجد! إيران حققت نجاحات كبيرة في خداع العالم والعرب بادعاء عداوتها لإسرائيل, بينما الشركات الإسرائيلية تتمتع بالأفضلية في سوق الاستثمارات داخل إيران! وليس سرا أن ثلثي جيش الاحتلال الإسرائيلي هم من يهود إيران, وأكبر المستوطنات يسكنها يهود من أصول إيرانية, ممن تعتبرهم طهران مواطنين إيرانيين مهاجرين وليسوا يهودا متطرفين لهم معتقدات صهيونية, ولا تشك في ولائهم لها!