لم يكن ألفريد نوبل مجرد كيميائي وفيزيائي فذ, ولكنه كان إلي جانب ذلك شخصا يتمتع بحس إنساني ورؤية مستقبلية ثاقبة. مخترع الديناميت, وغيره من الاختراعات العبقرية الذي ولد عام1833 وعاش حتي عام1896 لم ير قبل وفاته الأثر التدميري الهائل لاختراعه, إذ لم يكن حتي ذلك الوقت قد تم استخدامه في أغراض عسكرية, ولكنه استشرف حدوثه, وتوقع إساءة استخدامه في الحروب وما يترتب علي ذلك من قتل ودمار شامل, ولهذا أوصي بتخصيص أغلب ثروته للإنفاق علي5 جوائز للعلماء والفيزيائيين والكيميائيين والساسة ممن يتركون بصمة واضحة في خدمة البشرية, من بين هذه الجوائز جائزة نوبل للسلام, وكأنه بذلك كان يحاول التكفير عن ذنوب لم يقترفها بنفسه في حق الإنسانية التي اكتوت لاحقا بنار اختراعه, وكان يعلم بالضرورة أنها سترتكب علي أيدي قادة وزعماء وقوات احتلال من دون وجه حق, اعتمادا فقد علي امتلاك هذا الاختراع المدمر. ومثلما وظف الساسة والعسكريون الديناميت في أغراض القتل والتدمير, بدلا من توظيفه في أغراض مفيدة, مثلما أساءت اللجنة القائمة علي ترشيح المستحقين لجائزته للسلام, عندما منحوها لأشخاص لطخت أيديهم بدماء مئات آلاف الضحايا الأبرياء أمثال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجين وخلفه شيمون بيريز ورئيس الكيان الصهيوني اسحق رابين, وكلهم قتلة وسفاحون بدرجة مجرمي حرب! فقدت جائزة نوبل للسلام قيمتها ومعناها بمنحها لأمثال هؤلاء السفاحين, وأصبح الحصول عليها يثير الشبهات أكثر مما يضفي قيمة علي الفائز بها. من بين من حصلوا علي هذه الجائزة بصورة بدت وقتها مستحقة لها المناضلة البورمية السابقة ورئيسة وزراء الدولة الحالية والحاكم الفعلي لها أونج يانج سوتشي, وسبب حصولها علي نوبل للسلام في عام1991 أنها كانت زعيمة المعارضة ورئيسة حزب الرابطة الوطنية البورمية من أجل الديمقراطية ودعت وقت الحكم العسكري القمعي الجائر لبورما ميانمار إلي إجراء انتخابات حرة وكاملة في بلادها, وتحملت في سبيل ذلك الإقامة الجبرية الصارمة لمدة15 عاما, ولكنها واصلت كفاحها حتي تم الإفراج عنها, ووصلت إلي سدة الحكم. الآن يطالب مئات آلاف الأشخاص حول العالم بسحب الجائزة منها بسبب دورها السلبي فيما يحدث لمسلمي الروهينجا في بلادها, من قتل وتشريد وتعذيب وتمثيل بجثث الأموات علي أيدي المتطرفين البوذيين وأفراد الشرطة والجيش البورمي, وبين عشية وضحاها تحول الجدل حول المأساة من بحث سبل إنقاذهم مما يقع لهم من مجازر وملاحقة علي الحدود, وقتل وتشويه وتمثيل بربري, إلي بحث استحقاق سوتشي لجائزة نوبل للسلام. منظمة الأممالمتحدة لرعاية الطفولة( يونيسف) أعلنت منذ أيام أن أكثر من200 ألف من أطفال الروهينجا يتعرضون لخطر هائل خلال هروبهم إلي بنجلاديش من العنف والاضطهاد في ميانمار, فيما أكد جان ليبي رئيس قسم حماية الطفل في المكتب التابع للمنظمة ب دكا أن هؤلاء الأطفال هم في طليعة هذه الأزمة الإنسانية, وأنهم يشكلون60% من اللاجئين ولا يوجد أي مؤشر علي أن تدفقهم سيتوقف قريبا, ليتفرع الجدل الدائر حول مأساة ما يقرب من مليون مسلم بورمي من الخلاف حول أصل الأزمة وبشاعة الممارسات العنصرية ودموية القائمين بها, مما إذا كانت المشكلة إنسانية أم دينية أم عرقية أم قضية مفتعلة للتغطية علي صراع عالمي بين القوي الكبري, إلي المطالبة بسحب الجائزة من أونج يانج سوتشي. صحيفة الإندبندنت البريطانية ذكرت في تقرير لها أن405 آلاف شخص دعوا علي موقعchange.org إلي سحب نوبل من سوتشي لفشلها في حماية الروهينجا. سحب الجائزة من حاكم بورما لن يعيد للضحايا الذين لقوا حتفهم حياتهم, ولن يوقف المجازر البشرية التي يروح ضحيتها كل يوم مئات القتلي والجرحي والمشردين, ولن يعيد أكثر من400 ألف لاجئ من الروهينجا الفارين في بنجلاديش إلي بلدهم الأم, كما أن موافقة لجنة نوبل علي اقتراح سحب جائزة نوبل للسلام من رئيسة بورما أمر مشكوك فيه, حيث أعلنت رفضها مرارا لتنفيذ هذا المطلب العادل. غير أن المفيد من هذا الطرح في حد ذاته إلقاء الضوء علي الاختيارات المشبوهة للجنة في اختيار مستحقيها, ولو جاز سحب الجائزة من سوتشي, فالأولي أن يتم سحبها من مجرمي الحرب من الصهاينة وعلي رأسهم بيجين وبيريز ورابين, فكلهم شاركوا في مجازر بشرية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. الأمر نفسه ينسحب علي الزعيمة البورمية سوتشي التي كانت يوما ما مناضلة من أجل الحرية, وإذا بها تشارك بعد ربع قرن بالفعل وبالصمت وبالتواطؤ في جريمة بشرية يندي لها الجبين, لأسباب مجهولة, إذا لم يكن الحقد العنصري والرغبة في إبادة المسلمين وتصفيتهم سببين كافيين لتفسير تلك المذابح البربرية التي لم يسبق لها مثيل. العريضة التي نشرتها الصحيفة البريطانية للمطالبة بسحب الجائزة من سو كي تقول: حتي هذه الثانية, الحاكم الفعلي ل( بورما) أونج يان سوتشي لم تفعل شيء تقريبا لوقف هذه الجريمة ضد الإنسانية في بلادها. وقالت إندبندنت إن هناك غضبا كبيرا من تقارير تتحدث عن قتل عشوائي للمدنيين المسلمين من جانب جنود بورما ومجموعات من السكان البوذيين, بينما اللجنة النرويجية للجائزة تستبعد إمكانية سحبها بذريعة أن قواعد مؤسسة نوبل( تأسست عام1900) لا تسمح بتجريد أي فائز من جائزته. الكاتب البريطاني جورج مونبيوت أحد كتاب الأعمدة في صحيفة الجارديان, حث المزيد من الناس علي التوقيع علي عريضة المطالبة بسحب نوبل من سوتشي. وكتب: لماذا؟.. لأننا نري الآن وضعا استثنائيا, فالحائزة علي جائزة نوبل للسلام تتواطأ في جرائم ضد الإنسانية. سوتشي لم تتواطأ بالصمت إزاء العنف ضد المسلمين ومذابح الروهينجا, بل رفضت السماح للأمم المتحدة بالتحقيق في هذه المأساة المروعة, ولو كان ألفريد نوبل حيا لسحب جائزته منها, ولما سمح بمنحها لمجرمي الحرب.