ليست هناك مرارة أصعب علي القلب من مرارة جرح يتسبب فيه أقرب الناس إليك ومأساتي أشبه بسيناريو من الخيالات الدرامية التي قد لا يتصورها منطق أو عقل و لكنه الواقع الغريب الذي جعلني أفقد ابني بتحريض من صديقة عمري...! بداية المشوار الطويل من الفراق وعذاباته كانت عندما أنهي ابني دراسته الثانوية بتفوق كعادته كل سنة, ولأنه كان وحيدي وسندي في الدنيا بعد رحيل والده وهو بعد لم يتجاوز العاشرة من عمره كنت أحتفي به احتفاء خاصا, وأحاوطه باهتمام ورعاية جعلته منعزلا بعض الشيء عن الدنيا حيث لا خبرة له في الحياة إلا من خلالي و لم أدر خلال سنوات تربيتي له أنني أضررته بالغ الضرر, ما جعله لقمة سائغة لأطماع امرأة هي الأفعي تبث سمومها في عقله وقلبه منذ أن رأته في حفلة نجاحه بالثانوية العامة....! كانت أقرب صديقة لي منذ طفولتنا لم نفترق إلا عندما سافرت مع زوجها للعيش في فرنسا حيث عمله هناك عشر سنوات عابتها تغيرت فيها أشياء كثيرة باتت تحولا جذريا في حياتها وحياتي فقد توفي زوجي خلال هذه الفترة وعاشت هي في خلافات مستمرة مع زوجها بسبب عجزها عن الانجاب انتهت بطلاقها منه, ولكنها بقيت في فرنسا بضع سنوات منفردة بحياتها حتي ملتها و عادت إلي مصر وكانت أول مرة تري فيها ابني يوم الحفلة فقد تركته طفلا صغيرا يملأ الدنيا بشقاوات سنه البريئة, ومنذ ذلك اليوم كثفت من زياراتها لنا وكانت تبدي اهتماما غير عادي بابني وكنت أسعد لذلك فهي صديقتي وله بمثابة الأم حتي عندما كانت تصر أن تصحبه إلي الجامعة بسيارتها لم يداخلني الشك في شيء ولكن بمرور الوقت بدأت ألحظ تغيرا في سلوكيات ابني وأخلاقياته. لم يكن أبدا يغيب عن البيت أو يسهر خارجه إلي مطلع الفجر, وعادة ما كان يستذكر دروسه في البيت ما الذي جعله دائم السهر بحجة الاستذكار مع رفاقه في الجامعة, وكلما كنت أشكو لصديقتي اجدها تدعم موقفه وتقول لي إن الشباب في أوروبا لهم شخصيتهم المستقلة و تنصحني أن أكف عن ملاحقة ابني والتضييق عليه حتي لا يتحول حبي له إلي شعور مرضي يخنقه ويوقع به في أزمات نفسية أو يجعل منه رجلا هشا ضعيفا وطاوعتها, حبا وخوفا عليه و يا ليتني ما طاوعتها فلم أكن أتصور أنها تنصب شباكها حوله. لم تكن له الأم تحنو وتعطف ولكنها الأنثي الحبيسة في دار القلب الخالي تدفعها لتعويض نفسها عن حنان الأمومة وافتقاد الزوج في ابني, استطاعت أن توقعه في حبائلها بجرأة الحياة الأوروبية المنفتحة التي تمرست عليها وارتوت من رجولته الفطرية حراما وحرمانا.. أصبحت لابني حياة أخري يعيشها ولا أدر شيئا عنه حتي رسب في أول سنة له في الجامعة, وكان ذلك أول فشل في حياته, وانفجرت كل شكوكي في وجهه ولم ينكر أنه يعيش مع صديقتي في منزلها ولم يخجل أن اعترف انه تزوج منها وبكل قسوة وجبروت قال لي إن هذا اليوم هو آخر يوم له في البيت, وأنه سوف يعيش معها إلي الأبد, أمسكت به أستعطفه أسترضيه أن يبقي بلا جدوي حتي صديقتي قالت لي ان ابني هو العوض لها عن كل ما حرمت منه في حياتها ولن تتخلي عنه أبدا و ستعطيه كل ثروتها ولا يعنيها أن يكمل دراسته من عدمه....! عام مضي كأنه الدهر هجرني فيه ابني لا حول لي ولا قوة أتجرع فيه مرارة حرماني و خوفي و هلعي عليه. أما هو فقد قسا قلبه وتحجر إلا منها غائبا عن الوعي لا يدري من الدنيا غير وجوده بين يديها تنتهك شبابه و براءة عمره ولا أدري ماذا أفعل له.. هل ضاع ابني إلي الأبد علي يد أفعي اجتذبته إليها باسم الغريزة و أوهام الحب الزائف وهي التي تكبره بأكثر من ضغف عمره.. لا أعرف من أمر نفسي شيئا غير أني أموت في اليوم ألف مرة من حسرة قلبي علي ابني. هذا ما دفعني لكي أكتب لك علي أجد لديك طاقة نور تنفرج في ظلمة اليأس من حياتي وأستفيق من كابوس صديقتي الذي دمر حياة ابني و مستقبله علي واقع آخر كالذي كنا عليه قبل أن تأتي إلينا بشرها....! س ن القاهرة حقا سيدي ما أشقي من تصدمه الأيام في أقرب من لديه من البشر الابن و الصديقة, ولكن مقدرات الله دائما مرهونة بالحكمة منها في الدنيا لعلنا نتدبر منها تلك الرسالة الروحية التي يريدنا الله برحمته وقدرته أن نصل إليها وأنت من الممتحنين في الدنيا في فلذة كبدك الذي ما من شك كان لك الدور الأكبر في المأساة التي يعيشها الآن فخوفك المرضي و تدليلك و حجبه عن الدنيا و اعتراك الحياة فيها جعل منه إنسانا أجوف ضعيفا, إرادته هشة فسقط في براثن أول تجربة حياتية مستسلما لألاعيب امرأة لعوب ما أرادت منه غير ارتواء غريزيا و تعويضا عاطفيا لحرمان أفقدها عقلها وضميرها فاصبري و ثابري ولاتفقدي الأمل في عودة الابن الضال فلسوف يتدبر امره يوما و يدرك حجم ما أوقع نفسه فيه من خزي وعقوق لأمه و لعل كلماتي تصل إليه وأذكره بقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما قال أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك, فلا تغفل عنها وأوثقها بقيد التقوي صدق رسول الله صلي الله عليه و سلم وفي تقديري يا ولدي أنه ليس من المستحيل مواجهة ضعفك فمصارعة النفس هي الجهاد الأكبر فالنفس بالفعل هي ألد عدو للإنسان والهزيمة أمامها تعني الهزيمة المطلقة والغلبة عليها تعني الغلبة المطلقة. و تذكر يا ولدي قول الله تعالي ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ا الأعراف(179). أما صديقتك فسعيها وراء شيطان الغريزة الذي تملك منها سوف يقضي عليها حتما إن لم تفق وتصلح من أمر نفسها وتعدل طريقها نحو رب غفور ذي قدرة و رحمة. وفي النهاية اذهبي لابنك واسترقي قلبه وذكريه برحلة الكفاح التي خضتيها من أجله بعد وفاة أبيه واطلبي منه أن يكون لك السند والأمان في الحياة ولسوف يعقل يوما ويعود إلي رشده.