تري من من أدبائنا المعاصرين يمكن أن تكون له ذكري في الوجدان المجتمعي؟ من منهم يمكن أن يترك بصمة تاريخية في ساحة الأدب؟ بل من منهم قدم إبداعا رفيعا يكتب له البقاء؟ وكيف تم تهميش عملية الإبداع وأصبح مصدر الإلهام هو طرائف التاريخ؟ وأين القيمة المعنوية التي تبثها آلية الإنتاج الأدبي المعاصر؟ ولماذا يغلب التشابه في الأفكار واللغة والأسلوب علي المنتج الأدبي؟ ولماذا اختفت معاني التفرد والألمعية؟. إن الإجابة عن كل تلك التساؤلات نكتفي فيها بتقديم نموذج رائد احتفت به فرنسا رغم قرنين من وفاته لأنه صاحب أثر مهيب لا يمكن محوه أو تجاهله عبر الزمن. الوداع إلي الأبد.. الوداع دائما إن انحناء روحي الكريمة أمام روحك إنما تتوجه إلي الرجل المعبود الذي يكمن داخلك وليس إلي عاشق النساء الحيواني الفظ. إن مجدك الذي يبهر العالم يضيء حياتك أيضا وفجرك الصافي يجب أن يتبعه غروب مقدس جليل لا هروب مكلل بالعار. تلك هي آخر كلمات اللوم والتقريع التي سمعتها أذن الروائي والشاعر الفرنسي الفذ فيكتور هوجو بعد أن أتحف العالم بملاحم أدبية رائعة باتت ضمن أهم وقائع التاريخ الثقافي والفكري الإنساني, لكن علي مستوي آخر كان هوجو يعيش تاريخا منطفئا وحياة أسرية تعسة بسبب تلك الزوابع التي تثيرها زوجته إثر لقاءاته المتعددة مع العشيقات والعاشقات لأدبه وشخصه وهو في هذا كغيره من كبار الأدباء العالميين أمثال الكاتب الأمريكي آرنست هيمنجواي, ووليام فوكنر وغيرهما من الذين اخترقت رؤاهم أعماق التجربة الروحية مع المرأة وارتأوا دوما أنها بؤرة الإلهام الأبدي. وكعادة فرنسا دائما أن تحتفي بأدبائها ومفكريها وفلاسفتها وعلمائها أيضا أو بكل الذين أسهموا في القفزة الحضارية لفرنسا أو للإنسانية عامة, فهي ورغم زخم الساحة الثقافية بآراء ومواقف واتجاهات وتيارات فكرية ومذاهب فنية إلا أنها لم تنس أن تقدم لهوجو باقة حب وتحية خالصة له بعد مرور مائتي عام علي مولده كنوع من الوفاء والولاء القومي لقادة الفكر ورواده الذين دعموا الشخصية القومية وأثروا وجودها الحاضر والمستقبلي. فلقد تعددت مواهب هوجو وتفتقت عبقريته فأبدع الملحمة وحاك الرواية ونظم القصيدة العاطفية والدينية والتاريخية وكان أشهر ما عرف به روايتيه البؤساء وأحدب نوتردام ذلك فضلا عن بطولاته السياسية ومآثره الفكرية خلال ما طرحته كتاباته المتوهجة والملتهبة أيضا, والذين يطوفون بصحن جامعة السوربون يجدونه قابعا في وقار منذ قرن تستشرف نظراته أطياف المستقبل البعيد في محاولة إعجازية جديدة لفك طلسم معادلة الواقع الإنساني المعاصر بكل أبعاده وتصدير بانوراما روائية لم تطرحها قريحة أدباء هذا الزمان, الذين شغلوا بالتقنية الروائية من حيث معيارية الأسلوب واختلاف البنية الروائية وغرائب مضموناتها عن قضية الانسان وعذاباته المتجددة ووعيه المستحدث وأرقه الداخلي وأزماته النفسية ذات الأعماق الغائرة والتي جعلته يخوض تجربة الانتحار كتجربة مثيرة شائقة. وبصفة عامة كان فيكتور هوجو مثالا متألقا للأديب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طويلا ولا يزال, ذلك حين اختار أن تكون العبقرية هي طريقه الأوحد فقال إما أن تكون شاتو بريان أو لا تكون أي شيء. وقد يقال كثيرا ماذا تبقي من هوجو... هل المهارة الفنية؟ أم موقفه الإنساني الداعي إلي الحرية؟ أم غير ذلك من الفضائل الفكرية؟... كل ذلك وفوقه حيوية التمرد البارزة وذلك العنف المتجسد في تطويع آليات التحدي والإيمان بقيمة النضال الفكري, إذ لم يعد اليوم وجود لهذه القوة والطاقة المتفجرة والطوفان الثائر لأننا جميعا وبلا استثناء كتاب إداريون وموظفون... فيا للخسارة ويا للأسف كما قال الكاتب الفرنسي سيفير وساردوي.