كيف كان المجتمع ؟ وكيف أصبح الآن؟!.. سؤالان يقع ما بينهما سنوات كثيرة من التغييرات التي طرأت علي مجتمعنا والتي شوهت كل ما كان جميلا به من قيم أصيلة كانت تميزه.. وما كان يتمتع به أفراده من ثفافة راقية وسلوكيات متحضرة في جميع مناحي الحياة سواء في تعاملاتهم مع بعضهم البعض أو فيما يتعلق بالشأن العام في المجتمع.. لم نعد ذلك المجتمع السوي الذي يتفق ظاهرة مع باطنه أو حتي يتصالح معه علي أقل تقدير.. بات التشدق بالأخلاق بديلا عن ممارستها.. وصار التدين ظاهريا لا جوهريا.. وغدت ازدواجية الفكر والسلوك هي السمة البارزة لغالبية أفراده فما يتشدقون به من قيم ومثل عليا أمام الآخرين ويطالبون به غيرهم لا يمارسونه هم أنفسهم في تعاملاتهم اليومية.. وبت التمييز أيضا بين أفراد المجتمع شائعا في كثير من الأمور من بعض هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء علي المجتمع دون وجه حق بل ومبررا أيضا منهم يجدون له آلاف الحجج الدنيوية والدينية كذلك ليمارسوه بكل الأساليب المباشرة والغير مباشرة في الوقت الذي يتحدثون فيه عن احترام الآخر سواء كان مخالفا في العقيدة أو الجنس.. فاحتقار المرأة علي سبيل المثال لا الحصر والتقليل من شأنها أصبح شغل هؤلاء الشاغل وهمهم البالغ.. فزرعوا في عقول كثيرين من الناس ونفوسهم عداء خفيا لكل ما هو أنثوي علي اعتبار أن المرأة هي سبب كل البلاء المجتمعي وسبب كل الشرور علي الأرض فاختصروا مفهوم الأخلاق بشموليته وعموميته فقط في كل ما يتعلق بالمرأة من ملبس ومظهر وتواجد مجتمعي بوجه عام.. فبعد أن كانت المرأة المصرية منذ فجر التاريخ شريكا للرجل في صناعة الحضارة وفي النهوض بالمجتمع علي مر العصور أصبحت عورة في عصرنا الحالي الذي زحف عليه الفكر المتصحر.. وأصبحت جميع ممارسات التمييز ضدها شرطا أساسيا من شروط الحفاظ علي الأخلاق والفضيلة في المجتمع.. وبعد أن كانت تحظي بمعاملة راقية متحضرة في عصور سابقة من جميع أفراده شيوخا ورجالا وأطفالا حين كان المجتمع نفسه راقيا ومتحضرا.. أصبحت موضع اتهام مستمر ومثارا دائما للشكوك والريبة لا لعلة حقيقية بها ولكن لعلل فكرية ونفسية وسلوكية أيضا في العقلية المجتمعية فيما يتعلق بشأنها.. وهؤلاء الذين غرسوا سمومهم الفكرية في نفوس وعقول أجيال عن المرأة هم أنفسهم أيضا الذين أوغروا صدور كثيرين ضد كل مخالف لهم في العقيدة الدينية ليخلقوا لنا أجيالا من القنابل الموقوتة الجاهزة لانفجار في المجتمع بأكملة في أية لحظة.. في ذات الوقت الذي يتحدث فيه الجميع أيضا عن التسامح وعن تقبل الآخر واحترام عقيدته وفكره. فبتنا في العموم مجتمعا يتحدث عن أمور لا يمارسها ويمارس سلوكيات ينتقدها.. أصبح تفكيرنا الجمعي يخالف ويناقض سلوكياتنا المجتمعية.. تفشي مرض الازدواجية بين غالبية أفراد المجتمع بل ربما معظمهم حتي أصبحنا مجتمعا مريضا بالفعل بحاجة قصوي إلي علاج فوري من كل امراضه الفكرية والسلوكية حتي يتسني لنا التصالح مع أنفسنا أولا ومن ثم يمكننا التصالح مع الآخر وإن كان مخالفا لنا جنسا أو فكرا وعقيدة لنحظي بالسلام المجتمعي الذي ننشده جميعا.. ولكي يصبح المجتمع سويا يجب أن يعي جميع زفراده أن ما من أنصاف آلهة يعيشون علي الأرض فكلنا شر وصفاتنا البشرية تمنحنا جميعا الحق في التجربة, وفي الخطأ أيضا بلا وصاية من أحد علينا في الفكر أو المعتقد بلا أدعاء ساذج أن أي بشر خطاء يمكن أن يكون حارسا للفضيلة.