في كتابه الأوباميون ذكر الصحفي الامريكي المخضرم جيمس مان أن البيت الأبيض في عهد أوباما لم يكن يحب الخلافات الداخلية. ولم يكن أيضا يحب الطعن عليه, في العلن بالتأكيد, أو بشأن قضايا السياسة الخارجية المفرطة الحساسية بالنسبة لأوباما. وبالمثل, فإن رئيس التحرير مجموعة فورين بوليسي لاحظ قبل بضع سنوات أن البيت الأبيض, في عهد أوباما: يقدم درسا عمليا في كيف ومتي يكون لكثير من الموظفين نفوذ مفرط. وكتب ليون بانيتا, مدير وكالة الاستخبارات ووزير للدفاع في إدارة أوباما, في مذكراته معارك تستحق القتال من أجلها, أن اعتماد الرئيس أوباما علي كبار الموظفين في البيت الأبيض كان كبيرا لدرجة أن وزراء في إدارته كانوا بعيدين إلي حد كبير عن صياغة السياسات وتنفيذها. في عام2013, قام البيت الأبيض بفصل الجنرال جيمس ماتيس- وزير الدفاع الحالي في ادارة ترامب- من منصب رئيس القيادة المركزية الأمريكية لأنه شكك في حكمة سياسة الإدارة بشأن إيران وأفغانستان وباكستان. وتعليقا علي الحدث, ذكر وقتها أن الرسالة التي تبعث بها إدارة أوباما, سواء عمدا أم لا, أنها لا تحب الجنرالات الأذكياء المتشككين الذين يتحدثون صراحة لرءوسائهم المدنيين. تبين هذه الكتب الدور المحوري الذي يلعبه موظفو البيت الأبيض في صياغة وصنع سياسات الدولة الاعظم في العالم. وتمثلت مشكلة الرئيس دونالد ترامب الذي لم يشغل أي منصب سياسي من قبل, بل عمل طوال حملته مع فريق بعيدا عن النخب السياسية ولا يمتلك أية خبرة في الأمن القومي, ويحتاج إلي كل النصائح التي يمكنه الحصول عليها انه يجد صعوبة بالغة في إيجاد الترامبيين الداعمين لسياساته وتوجهاته الرئيسية التي تم انتخابه وفقها, وفي نفس الوقت توظيف تلك التوجهات في الحفاظ وتنمية المصلحة القومية العليا للولايات المتحدةالامريكية, ومن ثم فإنه وقع في اخطاء تعيين الدائرة الضيقة حوله. ولذا كان من الضروري إعادة ضبط الأمور في البيت الأبيض وهو ما تم عبر الإطاحة بمستشار الأمن القومي مايك فلين, الذي كان غير ملائم في موقعه. وتعيين الجنرال العسكري الخبير في شئون مكافحة التمرد هربرت ريموند ماكماستر في منصب مستشار الأمن القومي,, واعادة ضبط مجلس الامن القومي, عبر إبعاد ستيفن بانون الذي كان قد عينه عضوا دائما في مجلس الأمن القومي الامريكي. وقد واجه ترامب أوقاتا عصيبة في موضوع التسريبات المتوالية عن مطبخه الداخلي وتبين ان مصدر التسريبات هو كبير موظفي البيت الابيض رينس بريبوس الذي كان رئيس اللجنة الوطنية الجمهورية الذي اختاره ترامب علي ما يبدو- كإشارة منه انه يرغب في التعاون مع التيار الرئيسي في الحزب الجمهوري الذي انتقده أثناء حملته الانتخابية. ولكن مشكلة بريبوس انه لم يعمل في الحكومة قط. ومن ثم تمت اقالته واختيار الأميرال المتقاعد جون كيلي, القائد السابق لقوات التحالف في العراق عامي2008 و2009 والقائد السابق للقيادة الوسطي في الجيوش الأمريكية ووزير الأمن الوطني كبيرا لموظفي البيت الأبيض. وبهذا فان الرئيس ترامب اختار الثقة في الجنرالات عوضا عن ترامبيين يدينون له. فالجنرالات هم اهل ثقة في الشارع الامريكي. ولكن مع تغول الجنرالات في إدارة ترامب, يبدي البعض مخاوف بمحو المنطقة العازلة بين المدنيين والقوات المسلحة مع احتمال أن يصبح العسكري أكثر تسيسا وأن تصبح السياسة أكثر عسكرة أيضا.