في جلسة ضمت بعض الأصدقاء وكلهم خريجون منذ سنوات ما يطلق عليه كليات القمة دار الحديث عن تكلفة المعيشة وتزايدها بصورة غير مسبوقة لينتقل إلي الحل السحري في نظر الغالبية وهو الهجرة, لدرجة أن أحد المهندسين كاد أن يتواري خجلا لمعارضته الفكرة فزوجته الطبيبة تري أن الهجرة هي مصباح علاء الدين في وقت زادت فيه مصاريف رعاية وتعليم ابنتيهما بحيث تقلصت أمامهما خيارات المدارس وغيرها من مستلزمات الحياة. في الحقيقة لم أصدم من الموقف رغم معارضتي المبدأ في حد ذاته لأننا بهذا المنطق نفرغ الوطن من كفاءات هو في مسيس الحاجة لها ولكن منطقي هذا كاد أن يذهب أدراج الرياح أمام الدخل الهزيل الذي تحصل عليه الزوجة الطبيبة مقارنة بما يحصل عليه أرباب مهن أخري احترفت الأمية. العجيب أنني في مقام آخر سألني مؤخرا أحد العمال عن امكانية الهجرة رغم أنه أمي متعللا بضيق ذات اليد رغم أن دخله يتجاوز بضعة آلاف جنيه( أعلي من دخل تلك الطبيبة). كان تعجبي للقاء الثاني أشد وطأة علي نفسي لعدة أسباب منها أن فرص العمل حسب البحوث المنشورة تتناسب عكسيا مع مستوي التعليم فطبقة العمال لا يجدون صعوبة في الحصول علي عمل بعكس خريج الجامعة. ورغم أن المحاججة في هذا الأمر تشير إلي أنه يمكن لخريج الجامعة عن طريق إعادة التدوير( وليس التأهيل) أن يعمل في أعمال أقل من إمكاناته التي بذل فيها الجهد والوقت ليحصل عليها, ناهيك عن أن الوطن بذل في الوقت نفسه والأموال ليخرجه. وحين نعلم أن نحو50% من المهاجرين من خريجي الجامعات لابد أن تقفز لأذهاننا قضية نزيف العقول الذي نشارك فيه بكفاءة منذ عقود. ومع هذا الواقع الذي يطمح فيه شبابنا إلي الهجرة تاركين وراءهم أهل وعشيرة ووطن يستصرخ سواعدهم نجد أننا لا نفكر فقط إلا في وقف نزيف الهجرة غير الشرعية دون معالجة أسباب الهجرة ذاتها. لقد باتت ظاهرة ذهاب الزوجة للوضع في أمريكا ودول أوروبا بهدف حصول المولود والأم علي إقامة في تلك الدول, غير مستغربة لدي العديد من الأسر رغم أنه رهان مدته تتعدي العقدين مؤداه أننا سنظل لتلك الفترة في وضع متخلف طارد للعمالة المؤهلة! بعد ذلك اللقاء حضرت لقاء جامعيا عن آليات المشاركة المجتمعية للعمل الجامعي ورغم غرابة إسناد العمل لقسم واحد من أقسام عدة لإحدي كليات الهندسة أملا في الحصول علي علامة الجودة في التعليم والتي هي عبارة عن ترتيب أوراق( لابد أن تكون بالإنجليزية) لا تعكس الواقع الفعلي وإن كانت ستوجد حال وجود جودة حقيقية, لكننا بارعين في ترتيب الأوراق وينتهي جهدنا عند هذا الحد! المهم أن توزيع مهام علمية متغايرة علي أقسام متباينة سيحقق الحصول علي أوراق لتوضع في الملف ولكنها أبدا لن تعكس مستوي وتطلعات الأقسام العلمية, خاصة مع غياب أهداف واضحة معلنة لتلك الكلية حيث يري البعض( وهم أساتذة جامعيون) أن وضع الأهداف سيأتي بعض وضع الآليات! لم أتعجب من هذا المنطق لأن الجامعة المرجع لعمل تلك المجموعة تحتل رقم2365 بين جامعات العالم. هل بات مستوي تطلعات أعضاء هيئات التدريس في الجامعة مخيبا للآمال بدلا من أن يكونوا هم قاطرة البناء؟ ولنتأمل قول الإمام الشافعي: بقدر الكد تكتسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال تروم العز ثم تنام ليلا يغوص البحر من طلب اللآلي