المختار في شأن سفر المرأة لحضور منحة علمية من دون زوج أو محرم: هو جواز سفرها مع الرفقة المأمونة بشرط الأمان وموافقة الزوج أو الولي. واستدل علي ذلك بما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: بينا أنا عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل, فقال صلي الله عليه وآله وسلم: يا عدي, هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عليها, قال: فإن طالت بك حياة, لترين الظعينة ترتحل من الحيرة, حتي تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله. قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتي تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله. فدل ذلك علي الجواز; لأنه لو لم يجز ذلك لما مدح به الإسلام. البيان شرح المهذب في مذهب الإمام الشافعي للعمراني(36/4, ط. دار المنهاج- جدة). قلنا: وكذلك كل سفر طاعة. ولا يقال: إنه لا يلزم من حديث عدي جواز سفرها بغير محرم; لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أخبر بأن هذا سيقع ووقع ولا يلزم من ذلك جوازه, كما أخبر صلي الله عليه وآله وسلم بأنه سيكون دجالون كذابون, ولا يلزم من ذلك جوازه. وذلك; لأن هذا الحديث خرج في سياق ذم الحوادث, أما حديث عدي فخرج في سياق المدح والفضيلة واستعلاء الإسلام ورفع مناره, فلا يمكن حمله علي ما لا يجوز. وهذا الذي اخترناه هو قول بعض المالكية ووجه عند الشافعية; فقد ذهب بعض المالكية إلي القول بجواز ذلك,, إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عدد وعدد أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة, فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار الواجب منها والمندوب والمباح من قول مالك وغيره, إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد. وقد استوجه هذا الرأي الشيخ تقي الدين بن تيمية, فقد نقل عنه العلامة المرداوي في الإنصاف(411/3, ط. دار إحياء التراث العربي), والعلامة ابن مفلح في الفروع(236/3-237, ط. عالم الكتب):, تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم. وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة] اه. وذهب الجمهور إلي عدم جواز سفر المرأة في مثل هذه الحالة بغير زوج أو محرم, وفي ذلك تفصيل: فذهب الحنفية إلي اشتراط ذلك في السفر الطويل دون القصير, بينما ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلي اشتراط الزوج أو المحرم في السفر مطلقا دون تفرقة بين طويل وقصير. وحجة الحنفية: أن المنع المقيد بالثلاث متحقق, وما عداه مشكوك فيه, فيؤخذ بالمتيقن. قال العلامة ابن بطال في شرحه علي صحيح البخاري(79/3, ط. مكتبة الرشد بالرياض):, واحتج الكوفيون بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا تسافر المرأة ثلاثا إلا مع ذي محرم, وقالوا: لما اختلفت الآثار والعلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة, وكان الأصل الإتمام, لم يجب أن ننتقل عنه إلا بيقين, واليقين ما لا تنازع فيه, وذلك ثلاثة أيام] اه.