هناك ثلاث نتائج لأي تفاوض: الكل يكسب. أو أنا أكسب ولا يهم ان كنت أنت تخسر أو الكل يخسر. أزمة الوراق لها نظائر في سائر بلاد العالم و رأيت أحدها اثناء إقامتي بمدينة بوسطن بالولايات المتحدة ولكنها عولجت بمنطق الكل يكسب. الموضوع ببساطة: منطقة فقيرة وغير مطورة ولكن لها موقع خلاب وجذاب يسيل له لعاب مستثمر ما. يتم الاتفاق مع السكان من خلال حوار مجتمعي ومفاوضات علي تعويض مناسب يشمل مبلغا ماليا أو سكنا آخر أفضل في المنطقة الجديدة المطورة أو الاثنين معا. النتيجة: الكل يكسب. المواطن يحصل علي سكن أفضل وخدمات أفضل وتعويض مالي مناسب وربما أيضا فرص أفضل للعمل في المنطقة المطورة, المستثمر يكسب من مشروعه. إذا تحدثنا بلغه الأرقام فجزيرة الوراق مساحتها1400 فدان أو نحو ستة ملايين متر مربع. إذا افترضنا40 ألف جنيه للمتر المربع( وهو مبلغ متواضع قياسا بمناطق أخري أقل تميزا), فنحن نتحدث عن قيمه قدرها240 مليار جنيه لأرض الجزيرة. أليس من الممكن تعويض الاهالي ببعض من هذا المبلغ؟. هذا اذا كانت رغبة الدولة وهي حقا تخصيص تلك الارض لمستثمر لتطويرها كما أشيع وكما ظهر من مخطط عام للجزيره ظهر في موقع لمكتب هندسي في سنغافورة يمتلك نخبة من عباقرة التخطيط المعماري في العالم. أما إذا كانت تلك مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة. وكانت الرغبة الحقيقية للدولة هو إنفاذ القانون من مغتصبي أملاك الدولة فنحن هنا أمام قضية أخري مختلفة تماما. فالدولة لا تملك في تلك الجزيرة سوي60 فدانا فقط طبقا للأهالي ولرئيس المجلس المحلي السابق لحي الوراق كما أن معظم الأهالي معهم عقود ملكية للأرض وبعضها يرجع إلي أوائل القرن الماضي. أخذت أزمة جزيرة الوراق منعطفا حادا يوم الأحد الماضي عندما اقتحمت قوات الشرطة الجزيرة لتنفيذ أوامر إزالة قيل انها700 أمر بالإزالة. تصدي الاهالي لقوة إنفاذ القانون وحدثت اشتباكات عنيفة أدت الي مقتل أحد المواطنين وإصابة عشرات من رجال الشرطة ومواطنو الجزيرة. كرد فعل للغضب العارم من الأهالي والمشاعر الملتهبة قررت الشرطة اتخاذ قرار حكيم بالانسحاب إلي أجل غير مسمي وحسنا فعلت.اتهمت الحكومة الأهالي بإثارة الشغب ومنع رجال إنفاذ القانون من إتمام مهمتهم والتعدي عليهم وتساءلت أجهزة الاعلام: اليس من حق الدولة تطبيق القانون ومواجهة المخالفات؟ بالطبع من حق الدولة التصدي بحزم لأي مخالفات سواء أكانت في الوراق أو الحزام الأخضر أو أي من أملاك الشعب. ولكن هل تسلم كل مخالف ما يفيد بطبيعة مخالفته وعرض عليه تقنين أوضاعه قبل الاقتحام الأمني؟ اتهم الإعلام الإخوان بأنهم وراء تمرد الأهالي ووراء نشر الشائعات بأن الدولة تنوي تهجيرهم من الجزيرة. حسنا فعلت الدوله بنفيها بوضوح نية التهجير. وللحق فقد أثار حديث الرئيس السيسي الشهر الماضي في مؤتمر إزالة التعديات علي أملاك الدولة توجسات لدي أهل الجزيرة وأنقل هنا نصا بعضا ما قاله فيه جزر في وسط النيل المفروض ما يبقاش عليها حد. يا إما محميات يا إما المفروض ميبقاش حد موجود عليها. بعد ذلك تطرق الرئيس الي العشوائيات وأين يذهب الصرف الصحي لتلك الجزيرة. ثم عقب هذا الاجتماع أصدر دولة رئيس الوزراء قرارا باستبعاد الجزيرة كمحمية طبيعية.ألم يكن من المنطقي بعد ذلك أن يتوجس ويتخوف مواطنو الجزيرة؟. مرة أخري.. أحسنت الدولة صنعا بنفيها بوضوح نية التهجير. وأتمني ان تحل تلك الازمة وأمثالها من خلال الحوار المجتمعي مع أهل الجزيرة.. وخالص التعازي لأهل الشاب الذي سقط.