الحكم المحلي هو أن تشكيل مجالس محلية للأحياء والمدن والقري, تبحث مشكلات وخدمات المناطق التي نسكن فيها, وتراقب المجالس أداء الأجهزة الموجودة, وتحاسبها وترتقي بها, وننتخب رئيس الحي ورئيس المدينة والمحافظ, لينظر كل مسئول لحقوق ومصالح من انتخبوه ومن يستطيعون محاسبته عن أي تقصير, وليس فقط إرضاء من عينوه. الحكم المحلي هو الأداة الأكثر فعالية في الإصلاح أو الإفساد, لأنها تلتصق بحياة المواطن بدءا من سلامة أسفلت الشوارع وحتي إنتاج وجودة وسعر الخبز والسلع الأساسية, وتمتد إلي خدمات ومرافق الحي من ماء وكهرباء ومطافئ وإسعاف وغيرها. نري الآن أسفلت الشوارع يذوب من سقوط قليل من الأمطار أو مجرد انفجار ماسورة مياه, والحفر تنتشر كالبثور في كل مكان, وتكاليف إعطاب السيارات والحوادث الناجمة عن سوء حالة الأسفلت وانتشار الحفر يزداد عددا وعمقا, وتفوق أضرارها تكلفة إصلاحها أضعافا مضاعفة, ومع ذلك لا نجد صيانة للأسفلت أو ردما للحفر أو إنشاء مطبات بمواصفات سليمة رغم تكرار الحوادث وفداحة الأضرار. شقق الطابق الأرضي في الكثير من المساكن تحولت إلي ورش ومطاعم ومحلات, وكذلك تحولت الجراجات المخصصة للسيارات إلي محال ومقاه منتجة لتكدس السيارات فأغلقت الشوارع. الحدائق العامة جري خصخصتها لصالح أصحاب المقاهي, وضعوا فيها الطاولات والكراسي, ولم يكتفوا بمصادرة أرصفة المشاة. من الصعب أن تجد تحركا سريعا أو حتي بطيئا من أجل إصلاح ماسورة مجاري في شارع جانبي أو حتي شارع رئيسي في أحياء المدن, عدا القليل من الأماكن المهمة التي يمكن أن تلفت انتباه أو تسبب أضرارا لشخصيات نافذة, أما القمامة فقد أصبحت تلالا ترتفع بالأمتار من طول فترة تجاهلها, وبعضها ثابت, تحول إلي أحد المعالم المميزة, وبعضها متنقل. وعندما تتحرك عربات إصلاح المجاري أو أي أعطال أخري, تجد العمال ينتظرون مقابلا ماليا علي وظيفتهم, وكأنهم أنجزوا شيئا فوق العادة, أو تطوعوا من أجل مصلحة شخصية, يجب ألا يكملوها إلا بالحصول علي المقابل. وكلما كثرت المخالفات زادت عوائد المحليات, فهم يفرضون غرامات رسمية وأخري عرفية علي مرتكبي المخالفات, ويغضون البصر عنها طالما التزم المخالف بدفع المال للجهات المعنية بإزالة المخالفات, منها البسيط مثل إشغال الطريق, ومنها الخطير مثل سرقة الكهرباء والمياه, ومنها المروع مثل السكوت علي المباني المخالفة للمواصفات أو تعلية مبني بأكثر من عدد أدوار الترخيص أو عدم إزالة مبني مهدد بالانهيار, وهنا يكون الفساد قد تخطي حدود الأضرار الاقتصادية والتشويه وانعدام التخطيط والتسبب في الإختناقات, ليصل إلي تهديد حياة الناس. الانضباط والإصلاح يبدأ من قلب الأحياء والمدن والقري, وأن يكون للسكان دور ملموس في حل مشكلاتهم, ومنع تردي الخدمات والحد من الفساد, الذي ينتشر ويتمدد ويتوحش إلي الحد الذي يهدد استمرار الحياة, وإذا اعتاد الناس هذا التردي والإهمال والفساد اعتبروه من الأمور الطبيعية, وأن من لا يمارسها هو الغريب والمريب. لقد كان مشروع الدستور ينص علي انتخاب رئيس الحي وعمدة القرية ورئيس المدينة والمحافظ, وفي آخر لحظة تم إضافة كلمة أو التعيين بعد كلمة الانتخاب, وجري تبريرها بأن التعيين يجوز في الظروف الاستثنائية, التي يصعب فيها إجراء الإنتخابات, لكن الاستثناء تحول إلي قاعدة, ليمنع فرصة الإصلاح من أسفل الهرم, لنجد الإهمال والتردي أصبح قاعدة, ندفع جميعا ثمنها الباهظ من حياتنا ومستقبلنا, ولهذا ينبغي أن يتحول الحكم المحلي لأداة إصلاح حقيقي يلمسه المواطن, ويتمسك به ويمارسه, ليشعر بالمسئولية, ويتأكد أن باب الإصلاح مفتوح, ويوفر الكثير من الجهد والمال, ويجعل الحياة أقل صعوبة, بل يمكن أن تكون مبشرة ومبهجة إذا توافرت الإرادة.