عندما تصل مع إنسان إلي مفترق الطرق, فأول فكرة تخطر في بالك, أن هذا الشخص هو السبب في الوصول إلي هذه النتيجة, وأنه حقا هو السبب في حدوث المشكلة, فهل ننكر أننا لدينا معتقدات لا إرادية تؤكد لنا أننا لا نخطئ, لاسيما لو كان معنا أطراف أخري, فهنا تتمحور قمة النرجسية بداخلنا, بأنه مما لاشك فيه أن هذا الطرف هو المخطئ, أو علي الأقل هو أساس وجوهر المشكلة, ونبدأ في التصرف علي هذا الأساس, فالإيمان المترسخ بداخلنا يصعب أن تزحزحه أي أفكار أخري, إلا إذا اصطدم بأرض الواقع, فغرور الإنسان ليس له حدود, وأصعب ما فيه عدم الاعتراف به. فهذا يذكرني بقصة رجل شك في أن زوجته لديها مشكلة في أذنها, وأنها باتت لا تسمع جيدا, وقد تفقد سمعها يوما ما, فقرر أن يعرضها علي إخصائي للأذن; لما يعانيه من صعوبة في القدرة علي التواصل معها, ولكنه فكر بأن يأخذ رأي طبيب الأسرة قبل عرضها علي الإخصائي, فقابل الطبيب, وشرح له المشكلة, فدله الطبيب علي طريقة تقليدية لفحص درجة السمع, وهي بأن يقف علي بعد13 مترا من زوجته, ويتحدث معها بنبرة صوت طبيعية, فإن لم تستجب فليقترب عشرة أمتار, فإن لم تستجب فليقترب سبعة أمتار, فإن لم تستجب فليقترب خمسة أمتار, وهكذا حتي تسمعه, وفي المساء دخل البيت فوجد زوجته منهمكة في إعداد طعام العشاء في المطبخ, فقال:' الآن فرصتي لأقوم بتطبيق وصية الطبيب', فذهب إلي صالة الطعام, وهي تبعد تقريبا13 مترا عن المطبخ, ثم أخذ يتحدث بنبرة صوت عادية وسألها:' يا حبيبتي, ماذا أعددت لنا من الطعام؟' فلم تجبه, ثم بدأ يقترب شيئا فشيئا, حسب ما أوصاه الطبيب, لكن زوجته لم تجبه, فما كان منه إلا أن دخل المطبخ ووقف خلفها, وكرر نفس السؤال, فقالت له:' يا حبيبي, للمرة الخامسة أجيبك: دجاج بالفرن!', وهنا أدرك الزوج أن المشكلة تكمن فيه وليس في زوجته, فهو الذي يعاني من مشكلة في أذنه, ولابد له أن يعالجها. وهذا ما لا يدركه الكثيرون, أن المشكلة التي يواجهونها, وتنغص عليهم حياتهم قد تكون كامنة فيهم, لا فيمن حولهم, ولكن رغبتهم الدفينة بين ضلوعهم تأبي عليهم الاعتراف بعيوبهم وأخطائهم, فيبحثون عن شماعة معدة لتعليق أسباب قصورهم عليها, ولا يجدون شماعة أفضل من الأطراف الأخري, ولكن ما المشكلة لو نظرنا في المرآة, وحاولنا أن نري فيها أنفسنا من الداخل, فالمرآة لم تصنع فقط لكي نري فيها مظهرنا الخارجي, فالأحري بنا أن نجعل منها وسيلة ترينا من نحن؟ ومن نكون؟ فربما لو نظرنا لأنفسنا من الداخل بدون أن نصوب نظرتنا علي إيجابياتنا فقط, لوضعنا أيدينا علي بؤرة عيوبنا التي تتسبب في أغلب مشاكلنا, وعدم قدرتنا علي التواصل مع الآخرين, فالإنسان الذي يريد أن يعيش في حالة من التوازن النفسي, والتصالح مع النفس, والرضاء عن نفسه, لابد له أن يستعمل كلتا عينيه, فيجعل إحداهما تري إيجابياته, حتي يحب نفسه ويثق في قدراته, ويعيش دائما في أمل متجدد, من أنه إنسان له قيمة ومعني وتأثير, ويجعل العين الأخري تري وبمنتهي العمق سلبياته, حتي لا يعيش في برج عاجي, منقوش بالذهب والألماس, ولاشك أن هذه النقوش ستضع غشاوة علي عينيه, فلن يري عيوبه, وهنا لن يصلح منها أو حتي يعترف بها, وتظل حياته مهددة بالمشاكل المزمنة التي لن تقوده إلا إلي الطريق المسدود. فقد تكون الحكمة من أن المولي عز وجل خلق لنا عينين, هي أن نري بها الأشياء ونقيضها, حتي تكون نظرتنا ثاقبة لا تري جهة واحدة, بل تري جميع الجهات, فللأسف نحن نري أنفسنا من جهة واحدة, ونري كذلك الآخرين من جهة واحدة, فنرفض أن نري الجميع من جميع الجهات, فياليتنا نعلم أعيننا أن تنظر بنظرة حيادية.