الإخلاص من الصفات الجليلة التي يجب أن ينعقد عليها قلب كل مؤمن يريد السعادة الحقيقية في الدنيا والنجاة يوم القيامة, حيث إنه لا قبول للعمل الصالح عند الله تعالي إلا بعد تحلي قلب صاحبه بالإخلاص له عز وجل دون أحد سواه, فالشرط العام في قبول جميع أنواع الطاعات والفوز بأجرها وثوابها هو الإخلاص, وكل عمل لا يصدر عن الإخلاص فهو إلي الهلاك أقرب, ولهذا قال الله تعالي في كتابه الكريم:( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة. ويقول الدكتور عبدالله أبو الفتح بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر بالقاهرة أخبرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم: عن رب العزة تبارك وتعالي أنه قال في حديثه القدسي:( أنا أغني الشركاء عن الشرك, من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه), والمعني أن الله عز وجل يقول: أنا غني عن أن يشاركني غيري, فمن عمل عملا لي ولغيري لم أقبله منه, بل اتركه لذلك الغير. وأوضحت السنة المشرفة المعني الذي تضمنه هذا الحديث القدسي بطريقة عملية فجاء في الحديث الشريف: أن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد, فأتي به فعرفه نعمه فعرفها, قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتي استشهدت, قال: كذبت, ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء فقد قيل, ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار, ورجل تعلم العلم, وعلمه وقرأ القرآن, فأتي به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم, وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت, ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم, وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل, ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي القي في النار, ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله, فأتي به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك, قال: كذبت, ولكنك فعلت ليقال: هو جواد قد قيل, ثم أمر به فسحب علي وجهه, ثم ألقي في النار. فالإخلاص لله تعالي إذن يعني تصفية العمل من كل الشوائب بحيث لا يمازج العمل ما يعكر صفوه من شوائب النفس كطلب التزين في قلوب الخلق, أو طلب مدحهم والهرب من ذمهم, أو طلب تعظيمهم, أو طلب أموالهم أو خدمتهم ومحبتهم وقضائهم حوائجه, أو غير ذلك من الشوائب التي يجمع متفرقاتها إرادة ما سوي الله بالعمل كائنا ما كان هذا الغير, ولقد قال بعض الصالحين:( إن جوهر الإخلاص هو أن لا تطلب علي عمل شاهدا غير الله, ولا مجازيا سواه) وقال العز بن عبدالسلام: الإخلاص: أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده, ولا يريد بها تعظيما من الناس ولا توقيرا, ولا جلب نفع ديني, ولا دفع ضرر دنيوي). ويشير الدكتور عبدالله أبو الفتح أنه لما كان الإخلاص لله تعالي في الأعمال الصالحة بهذه المنزلة العالية جعله سبحانه وتعالي سرا بينه وبين عبده المؤمن لا يطلع عليه أحد سواه جل وعلا, وفي هذا يقول الإمام الجنيد رحمه الله:( الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه, ولا شيطان فيفسده, ولا هوي فيميله) ومن عجيب القصص في ذلك أن سيدنا علي بن الحسين زين العابدين كان يحمل الصدقات والطعام ليلا علي ظهره ويوصل ذلك إلي بيوت الأرامل والفقراء في المدينة, ولا يعلمون من وضعها, وكان لا يستعين بخادم أو غيره, لئلا يطلع عليه أحد, وبقي كذلك سنوات طويلة, وما كان الفقراء والأرامل يعلمون كيف جاءهم هذا الطعام, فلما مات وجدوا علي ظهره أثارا من السواد, فعلموا أن ذلك بسبب ما كان يحمله علي ظهره, فما انقطعت صدقة السر في المدينة حتي مات زين العابدين. كما أن العبد الذي يطهر باطنه فيخلص أعماله لربه عز وجل دون أحد سواه يجازيه الله تعالي علي ذلك الإخلاص خير الجزاء وذلك بأن يبعد عن قلبه الوساوس والرياء ويجري الحكمة علي لسانه, وفي هذا يقول أحد الصالحين:( ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه, وقال اخر: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء). بل إن الذي يخلص لله في عمله يتقبل الله تعالي منه ذلك العمل ويربيه له وإن كان في ظاهره قليلا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه سولم قال:( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلي الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها, كما يربي أحدكم فلوه حتي تكون مثل الجبل), فلوه: أي: مهر الخيل الصغير, فرب عمل قليل تعظمه نية صالحة ورب عمل عظيم تحقره نية فاسدة, ولهذا قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:( لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول, فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل أخلص العمل يجزك منه القليل). ويقول الدكتور سمير عبدالمنعم حسن بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة إن الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصر والطاعة وقيل هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين وقيل أيضا إن الإخلاص استواء أعمال الصبر في الظاهر والباطن والرياء أن يكون ظاهرة خيرا من باطنه والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره. فالإخلاص هو أعظم أخلاق الإسلام ورفع شعب الإيمان وأعلي مقامات الدين فلا تقبل الأعمال إلا بالإخلاص ولا تكون أعمال الإنسان صالحه إلا إذا اشتملت علي الإخلاص. وإخلاص العمل لله بمعني إخلاص النية وتصحيحها لله فلا يتحقق الإخلاص إلا إذا أخلصت النية فيه لله سبحانه وتعالي واستحضرت النية الطيبة في هذا العمل وبذلك يكون من المخلصين قال تعالي وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين البينة5 والدين الخالص هو الدين السليم الطاهر الذي لا تشوبه شائبة من شرك أو رياء تعددت النصوص القرآنية في بيان أهمية إخلاص النية لله تعالي في جميع الأعمال ويأتي ذلك بعبادات مختلفة مثل ابتغاء مرضات الله من يريد الآخرة.ابتغاء وجه الله يريد وجه الله يريد ثواب الآخر يريد حرث الآخرة. ويشير الدكتور سمير عبدالمنعم تعدد النصوص في السنة النبوية في بيان أهمية اخلاص النية عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يحشر الناس علي نياتهم وعن ابي هريره رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلي أجسامكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم فالنية هي التي تفرق بين الرشوة والهدية والتوكل والعجز والإخبار بالحال الشكوي للمخلوق وتصح العبادة أؤ تفسد علي حسب النية. والإخلاص له فضل عظيم قال تعالي يأمر نبيه بالإخلاص في سورة الزمر قل الله أعبد مخلصا له ديني فأعبدوا ما شئتم من دونه وقال تعالي في سورة الأنعام قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين والإخلاص صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالي واذكر في الكتاب موسي إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا ولا يعجز الشيطان إلا عن المخلصين, فالشيطان لا يستطيع أن يسيطر علي المخلصين من عباد الله تعالي قال تعالي قال رب بما أغويتني لأزينن لهم الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين الحجر(39,40) بالإضافة إلي ذلك أن جزاء المخلصين عند الله تعالي هو النجاة وحسن الجزاء قال تعالي في سورة الصافات إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم علي سرر متقبلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قطرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون وعن فضل الإخلاص في السنة الشريفة يقول الدكتور سمير عبدالمنعم أن السنة النبوية دعت إلي الإخلاص بأساليب شتي وصور متنوعة عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب اليه من سواهما وإن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقزف في النار