حدثان مهمان رجا أوصال الوسط السينمائي قبل أشهر قليلة من الثورة, وحملا الكثير من التساؤلات حول مستقبل صناعة السينما في مصر, والحدثان ارتبطا بعلاقة السينما بالدولة بشكل وثيق.. الأول هو لقاء الرئيس المخلوع بنخبة من أهم الفنانين المصريين وهو اللقاء الذي استمر أربع ساعات كان أهم ما جاء فيه هو ما شرحه الفنان الكبير محمود ياسين للرئيس السابق من مخلص لأزمة السينما, وضرورة عودة دور الدولة لدعمها باعتبارها صناعة استراتيجية, حيث تم إلحاق السينما بوزارة الاستثمار بعد إصدار قانون قطاع الأعمال رقم203 لسنة1991, وهو القانون الذي دخلت مصر من خلاله عصر ما يسمي الاقتصاد الحر, وذكر الفنان محمود ياسين أن مبارك قال إن السينما لابد أن تعود لوزارة الثقافة مرة أخري, وطلب تقريرا بذلك من وزير الثقافة. وأضاف ياسين: وقد أبدي مبارك انزعاجه من انخفاض معدل الأفلام إلي15 فيلما في العام, وما هي إلا أيام قليلة بعد هذا اللقاء إلا وفاجأنا جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية التابع لرئيس مجلس الوزراء بإحالة التقرير الخاص بتوزيع الأفلام السينمائية المصرية إلي المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحريك الدعوي الجنائية ضد شركات توزيع الأفلام السينمائية المصرية طبقا لنص المادة21 من قانون حماية المنافسة. وكان الجهاز قد تلقي بلاغا مقدمل من السيد عمرو عثمان رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للاستثمارات الإعلامية العاملة في مجال دور العرض, بشأن الممارسات الاحتكارية في سوق توزيع الأفلام السينمائية, وعليه قام الجهاز بدراسة سوق توزيع الأفلام السينمائية المصرية في الفترة من عام2007 إلي النصف الأول من عام2010, مما تبين معه وجود سبع شركات لتوزيع الأفلام السينمائية المصرية بالسوق المعنية, وهي كالآتي: المجموعة الفنية المتحدة, والشركة العربية للإنتاج والتوزيع, وشركة أوسكار, ومؤسسة الماسة, وشركة الأخوة المتحدين, وشركة أفلام النصر, وجهاز السينما. وانتهت الدراسة إلي وجود اتفاق علي تقييد عمليات توزيع الأفلام المصرية داخل مصر بين شركات التوزيع, وقد أبرم هذا الاتفاق خلال اجتماعهم بغرفة صناعة السينما. وأوضحت الدراسة أن كل شركة من شركات التوزيع تمتلك مجموعة من دور العرض, وقد تضمن الاتفاق أن تقوم كل شركة بعملية توزيع الأفلام بدور العرض التابعة لها, بينما تمتنع عن توزيع الأفلام لدي دور العرض التابعة للشركة المنافسة. كما تقوم كل شركة من شركات التوزيع بتخصيص نسبة10% فقط من نسخ الأفلام لدور العرض المستقلة بشرط التعامل الحصري وعدم عرض أفلام لأكثر من موزع في الموسم نفسه, مما أدي إلي عدم قدرة العرض علي تشغيل جميع الشاشات, وشرح ذلك أن تجمع شركات المتحدة والماسة والنصر والمجموعة الفنية والأخوة المتحدين الذين يمتلكون( بالإيجار, أو حق الانتفاع, بالاضافة إلي عدد قليل بالملكية) ثلث دور العرض بالسوق المصري بينهم بروتوكول ااتعاون بأن يوزعوا أفلامهم فقط ولايوزعوا أفلام أطراف أخري ودار السينما التي لاتتبعهم يجبروها علي أن تتعامل معهم فقط وإذا تعاملت مع المنافس لهم وهو في هذه الحالة( الشركة العربية) يحرموها من التعامل معهم, وهذا ما حدث لعمرو عثمان وعضدته شكاوي أخري من شركات مثل جود نيوز, وشعاع. لهذا يبقي تكتل الشركات أفلامها في دار العرض لمدة تزيد علي الأشهر الستة, لدرجة أن عدد متفرجي دار عرض فيلم مثل أولاد العم لم يكن يدخله في أسابيعه الأخيرة أكثر من عشرة متفرجين في الأسبوع, والشركة العربية( التي تدير هي الأخري أكثر من ثلث دور العرض بمصر) تعمل بالمثل كما يعمل تكتل الشركات المذكورة, وتعرض بشاشاتها الأفلام التي توزعها فقط برغم أنها أعلنت منذ شهرين تقريبا قبل بلاغ هيئة المنافسة أنها ستتعامل مع كل أطراف السوق, وحسب مصدر في جهاز المنافسة فإن فعلت الشركات المتهمة ذلك فعلا فإن ذلك لا يعفيها من المحاسبة عما فعلته من قبل, باعتبار ما كان حيث تكررت تلك المخالفة مرارا طوال السنوات السابقة حسب نص المادة(6/ د) من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الخاصة بالاتفاق بين أشخاص متنافسة علي تقييد عمليات التوزيع, أو ما يسمي الكارتيل. وسبب وضع جهاز السينما مع تلك الشركات برغم أنه يعرض أفلام كل الشركات بدور العرض التابعة له أن اللواء جمال علي نائب رئيس الجهاز السابق وافق علي الاجتماع المذكور بغرفة صناعة السينما علي تقييد عمليات توزيع الأفلام لكل موزع علي حدة. وبناء عليه قرر مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة مخالفة شركات التوزيع المذكورة وإحالة التقرير الذي أعده الجهاز لوزير التجارة والصناعة لإعمال سلطاته المنوطة إليه بموجب المادة(21) من القانون لتحريك الدعوي الجنائية ضد شركات توزيع الأفلام السينمائية المصرية, كما أمهل الجهاز الشركات المخالفة30 يوما لإزالة المخالفة. الواقع يقول إن رشيد محمد رشيد وضع بلاغ جهاز المنافسة في درج مكتبه ولم يخرجه أو يحوله للمحكمة الاقتصادية كما طلب جهاز الاحتكار, وترددت أسباب كثيرة وراء ذلك أكثرها صدقية أن أحمد المغربي الوزير السابق شريك في إحدي الشركات المتهمة بالاحتكار, الآخر أن حسنة رشيد شقيقة رشيد نفسه تربطها صلات وطيدة بملاك إحدي الشركات. وبرغم أنني أتمني أن تحل قضية الاحتكار خارج أروقة المحاكم, وأن تبادر الشركات الكبري بإعادة هيكلة نفسها واختيار نشاط واحد أو اثنين لها علي الأكثر علي ألا تجمع بين امتلاك دور العرض والإنتاج أو التوزيع, لكني أتمني أكثر من الدولة أن تقرر الانتباه للسينما بشكل كبير علي مستوي الصناعة, وربما التفكير في أن يكون دورها سياديا ومحوريا وليس دور المشرف أو الموجه فقط, فمن الحلول المهمة أن تسترد الدولة دور العرض التي أجرتها للشركات المتهمة بالاحتكار وتمنحها لعارضين مستقلين ليصبح هناك توازن بالسوق, ولن ننسي أبدا ولن ينسي التاريخ لفاروق حسني أنه تخلي طواعية عن أصول السينما بشكل عشوائي, بالإضافة إلي تخليه عن دعم الدولة الحقيقي للسينما وتركها عرضة لتقلبات السوق( الحرة) برغم أن كل دول العالم من المغرب إلي فرنسا, ومن بوركينا فاسو إلي أمريكا جميعها تدعم السينما( إنتاجا وتوزيعا وتشريعا) وتعتبرها أمرا استراتيجيا, وهوية ثقافية تدافع عنها باستماتة. [email protected]