سيدة ترتدي لباسا رماديا تمشي بخطا وئيدة إلي جانب زوج أنهكه الحزن.. كلاهما يجتهد في اخفاء قلق باد وهما يطرقان باب مكتب رئيس جامعة هارفارد, لم يستغرق السكرتير وقتا طويلا حتي أخبر الزائرين بأنهما غير مرحب بهما وعليهما المغادرة قبل أن ينتهج سلوكا لا يليق.. دهشة كبيرة علت وجه الزوج من سوء المعاملة فأصر علي مقابلة الرئيس, لكن السكرتير بفتور زعم إنه سيكون مشغولا طوال اليوم,.. الزوجة ردت بهدوء سننتظره حتي يفرغ.. حاول السكرتير أن يتجاهل الزوجين, أملا أن ييأسا ويرحلا, لكن ما تمناه خاب.. تملكه الإحباط, وأخيرا قرر أن يخبر المدير بوجودهما, وبإصرارهما علي مقابلته عله يتخلص من هذا العبء.. خرج الرئيس بوجه وقور عابس يسير مختالا أمام الزوجين, بدأت الزوجة بالحديث قائلة إن ابنا لهما كان يدرس في جامعة هارفارد لمدة عام كامل, لقد أحب الدراسة هنا, كان سعيدا للغاية, لكن منذ نحو عام قتل في حادث, وتود هي وزوجها أن يقيما له نصبا تذكاريا في الحرم الجامعي, لكن المدير لم يبد عليه أي تأثر. رد علي الزوجة بنبرة تبدو حزينة: سيدتي, لا نستطيع إقامة نصب تذكاري لكل طالب درس في هارفارد وتوفي, إن قمنا بذلك, فسيبدو هذا المكان كالمقبرة. صرخت السيدة في وجهه: ليس هذا ما أردناه فعلا, نحن نريد إقامة مبني للجامعة, ذهول مفاجئ بدا علي وجه الرئيس, أنعم نظرة في هندام السيدة وزوجها, وتعجب, مبني!. هل تدركان أدني فكرة عما قد يكلفكما بناء مبني كامل وتجهيزه في جامعتنا, يوجد لدينا هنا مبني بتكلفة سبعة ملايين ونصف المليون دولار, للحظة ساد الزوجين صمت, سري غرور وفخر في نفس الرئيس وتوقع أن يهما بالإنصراف منكسرين.. لكن السيدة لم تبال استدارت إلي زوجها وقالت بصوت خافت هل هذا فقط ما يكلف إقامة مبني في جامعة؟!.. لم لا نقيم جامعة خاصة بنا إذن؟ أومأ الزوج برأسه موافقا. تجهم وجه المدير عندها, نهض السيد والسيدة ستانفورد وخرجا من المكان, سافرا إلي كاليفورنيا وهناك أقاما جامعة تحمل اسمهما, جامعة ستانفورد, كذكري لرحيل ابنها الذي لم تعد جامعة هارفارد تهتم لذكراه, بعد وقت وجيز أصبحت هذه الجامعة تنافس كبريات الجامعات وتحتل مستوي متقدما جدا في التصنيف العالمي.. في أوقات عديدة قد يكون انطباعنا الأول الذي نشكله عن الناس خاطئا بدرجة صادمة حين نبني أحكامنا استنادا فقط لمظاهرهم الخارجية أو مستواهم الإجتماعي أو المادي أو لمجرد شعورنا اللحظي نحوهم بأنهم أقل شأنا, فنعاملهم معاملة سيئة لاعتقادنا أن لا حاجة لنا بهم, وهكذا نتجه نحو خسارة الكثير من الأناس الجيدين في حياتنا, بسبب نظرة قاصرة ومتسرعة في حكمنا عليهم. تذكرت قصة الزوجين الأمريكيين وأنا أري حشدا كبيرا من الناس يبدو علي كثير منهم مظاهر الحياة الكريمة وهم يتدافعون نحو رجل وسيدة لا تحمل ملابسهما أي معلم لثراء.. يجلسان أمام معرض سيارات كبير يوزعان نقودا وأغذية علي الفقراء في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم, علمت فيما بعد أنهما صاحبا المعرض ويكفلان عشرات الأسر الفقيرة ساعتها تذكرت قوله صلي الله عليه في الحديث الصحيح:( عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:.. إن الله لا ينظر إلي أجسادكم ولا إلي صوركم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأشار بأصابعه إلي صدره).. إنها القلوب يا سادة فهل آن لنا أن نجعلها حكما علي الأشياء عسانا نراها بجلاء.